بقلم / رئيس التحرير

أنطوان القزي

 

سئلت عبر أثير إذاعة الـ «أس بي أس» البرنامج العربي عن رأيي في مطالبة الإعلاميين الأستراليين أن يكون لديهم حصانة وأن تكون كل المعلومات الحكومية متوفرة لهم بحجة «أنه من حق الشعب الإطلاع عليها».
وقلتُ أنه انطلاقاً من كوني إعلامياً وأؤمن بحق المواطن في الاطلاع على الخبر، أؤيد مطلب الاعلاميين الأستراليين من ناحية المبدأ، أما من ناحية الواقع وكوني أراقب منذ ثلاثين عاماً أداء معظم الإعلام الأسترالي، فأنا لست مع الحصانة لهذا الإعلام الذي يغرّد معظم الأحيان بعيداّ عن مزاجية المواطنين مطلقاً الأحكام مصادراً دور ألسياسيين والقضاء وحتى الشرطة.
الاعلام في استراليا تعوّد أن يكون هو الحاكم وهو الذي يقرّر ويصنّف، وهو بدون حصانة لا أحد يستطيع الإمساك بلجامه، فكيف إذا مُنح الحصانة، ومن يوقفه بعد ذلك؟
السياسي ليس لديه حصانة وليس مخوّلاً ان يطالب بمعلومات من الدوائر بشكل مطلق رغم انه منتخب من الشعب إذ يحق للدولة أو الاستخبارت حجب معلومات تتعلق بالأمن القومي.
هناك شيء اسمه الأمن القومي، ومن حق الدوائر الأمنية أن تتحفّظ على بعض المعلومات من باب المصلحة الوطنية وفي ما عدا ذلك فكل الأبواب مفتوحة أمام الإعلام.
كلنا نذكر ان السلطات القضائية طلبت من الاعلام عدم نشر تفاصيل الحكم على الكاردينال بيل وخرقت الـ «دايلي تلغراف» الأمر وتمّ تغريمها. وكلنا نعرف كم وكم من دعاوى التشهير التي ربحها أبناء الجالية بحق وسائل إعلامية أسترالية.
ولا ننسى أن سياسة التناغم الاجتماعي تسير في واد، والاعلام الاسترالي في واد آخر.
نحن نفهم الاعلام وسيلة لنقل الحقيقة ونشر الوعي وليس لنكء الجراح (حادثة كرونيلا نموذجاً).
وللإطلاع فقط، هناك أمور لا تذاع إلا بعد 25 أو خمسين سنة ونلاحظ أن المترجمين الكبار في الأمم المتحدة لا ينشرون بعض الحقائق فبل مرور 25 سنة عليها وهذا عرف معروف.
بالنسبة لأستراليا هناك حقيقة نشرت بعد 50 سنة على حصولها وهي أن رئيس الوزراء الاسترالي الأسبق روبرت منزيس زار مصر سنة 1956 عشية العدوان الثلاثي لإقناع الرئيس عبد الناصر بالرجوع عن قرار تأميم قناة السويس، ويومها لم يعرف أحد ما حصل بين الرجلين، وبعد خمسين سنة أي سنة 2006 نشرت تفاصيل اللقاء التي تقول ان عبد الناصر طرد منزيس ولم يشأ استقباله.
ثمّ، ماذا يحصل مثلاً لو وجّه سكوت موريسون انتقاداّ لاذعاً ل»لسدني مورنينغ هيرالد» أو لـ «الدايلي تلغراف» كما فعل دونالد ترامب مع الـ «سي أن أن والنيويورك تايمز»؟.
وماذا يحصل لرئيس وزراء استراليا لو الغى غداء الصحافيين السنوي كما فعل ترامب وحرمهم من دخول البيت الابيض بمناسبة عيد الميلاد؟.
بالمختصر الاعلام الاسترالي مُدلل، كلما أعطيته كلما طالب بالمزيد ، ليس لنشر الحقيقة بل لتنفيذ أجنداته البعيدة كل البعد عن الرسالة الإعلامية!.