> أدى خطف الكوادر الطبيّة في سورية وتهديد عملهم الإنساني، إضافة إلى اعتقالهم نتيجة مساهمتهم في إنقاذ المدنيين ومساعدتهم في المستشفيات الميدانيّة، إلى هروب كثيرين منهم، ما حوّلهم لاجئين في دول «الشتات» السوري. إذ وثّقت «منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان» أخيراً مقتل 604 من العاملين في المجال الطبي خلال السنوات الأربع المنصرمة. وبيّنت أن الحكومة السوريّة مسؤولة عن 589 حالة وفاة منها، ملاحِظَة أن 47 في المئة منهم توفوا بسبب القصف والتفجير، وقضى 27 في المئة بسبب إطلاق النار.
معضلة المُعادَلَة
لدى وصول كثير من أطباء سورية إلى تركيا، كانت في انتظارهم صعوبات شملت تعديل الشهادات، بمعنى الاعتراف بقيمتها العلميّة وأنها توازي نظيراتها في تركيا، وهي شرط لازم للحصول على عمل مناسب.
ومثلاً، تخرّج الدكتور محمد منذ ثلاثة أعوام من كلية الطب بدمشق، وجاء إلى تركيا هرباً من الحرب ومشكلات أمنيّة متنوّعة. ولم تنفع شهادته في الحصول على عمل كطبيب، فعمل مترجماً في إحدى المستشفيات كونه تركماني ويتقن اللغة التركيّة. وروى محمد معاناة الأطباء السوريين في تركيا لجهة عدم إمكان العمل في القطاع الطبي بسبب استحالة تعديل الشهادة السورية، مُطالباً الحكومة التركية بحل تلك المعضلة.
وأكّد الدكتور نذير زرزور، وهو صاحب مستشفى في اسطنبول أن تعديل شهادة الطب يتطلّب أن يتقدم الطبيب بطلب لوزارة التعليم التركيّة التي تخاطب وزارة الخارجية التركيّة كي تتصل بالخارجيّة السوريّة لمعرفة إن كانت شهادة الطب السوريّة صحيحة أم مزوّرة. «هناك مشكلة حالياً تتمثّل في عدم وجود اتصالات بين وزارتي الخارجية التركيّة والسوريّة. لذلك أصبح تعديل شهادة الطبيب السوري الصادرة من أي جامعة، أسهل من تعديل الشهادة السورية»، وفق كلمات زرزور.
وأضاف: «دفعت المشكلة الأطباء السوريين للعمل في أي مهنة، نظراً لحاجتهم ماديّاً. وعمد بعضهم إلى فتح عيادة غير نظاميّة في منازلهم، ونشروا إعلانات على «فايسبوك» كي يستقطبوا المرضى السوريين الذين يفضلون الطبيب السوري على التركي بسبب مشكلة اللغة. وكذلك عمدت بعض الجمعيات الخيريّة، كـ «جمعية النور» إلى فتح مراكز طبيّة غير مرخّصة تتقاضى أجوراً رمزيّة من السوريين. لكن، في حال ورود شكوى حول وقوع خطأ طبي ما، تتدخّل الحكومة التركية ولا تتوانى عن إغلاق تلك المراكز».
وتحدث الدكتور زرزور أيضاً عن تعرض بعض الأطباء السوريين إلى عمليات نصب من قبل بعض الأتراك الذين يوهمونهم بأنهم يستطيعون تأمين رخصة لفتح مركز طبي في اسطنبول، علماً بأن قراراً حكوميّاً صدر بهذا الخصوص يقيّد عدد المراكز الطبيّة في اسطنبول حتى العام 2023. «في تلك الحال، يدفع الأطباء السوريون من 10 إلى 15 ألف دولار لهؤلاء النصابين، وتذهب أموالهم سدى. بعض الأطباء السوريين المقتدرين بدأوا بالاستثمار في مستوصفات من الدرجة الأولى، ما أعطاهم الحقّ في التعامل مع المرضى».
في المقابل، أوضح زرزور أن تركيا بحاجة إلى قرابة 80 ألف طبيب، ما دفعها إلى السماح بتشغيل أطباء أجانب (وكذلك الممرضات) منذ العام 2005، مع منع ذلك الأمر على الصيادلة والقابلات القانونيّات وأطباء الأسنان، نظراً لوجود اكتفاء في تلك المهن».
من يبقى في سوريّة؟
في لقاء مع «الحياة»، أوضح الدكتور مصطفى حامد أوغلو، المعاون السابق لوزير الصحة في «الحكومة السوريّة الموقّتة»، أن «القرار الذي صدر بالسماح للأطباء بمزاولة المهنة في تركيا، تضمن ثلاثة شروط هي تعديل الشهادة والإلمام باللغة التركية والحصول على إذن رسمي بالعمل. وبالنسبة للشرط الأول، فهو غير قابل للتحقّق نظراً لانقطاع التواصل بين الحكومة التركية والنظام في دمشق». وبيّن أوغلو أن الحكومة التركيّة ربما تكون قادرة على منح الأطباء السوريين إذناً بالعمل بعد اجتيازهم امتحاناً ما، لكنّ الأمر «سلاح ذو حدّين. إذ يحلّ مشكلة الأطباء السوريين الذين يقيمون منذ 3 سنوات في تركيا ويعملون في مهن غير لائقة، لكنه ربما أفرغ سورية من الأطباء المستمرين في العمل في الداخل، لأنهم ربما غادروا طمعاً بالهدوء الأمني والتحصيل المادي. حينها، من يبقى في سوريّة لعلاج مرضاها ومصابيها»؟
في سياق متّصل، أشار أوغلو إلى أن الحكومة التركية أصدرت تعليمات سمحت فيها للأطباء السوريين بالعمل في عيادات خارجية تعنى بالسوريين، شرط إشراف جمعية وطبيب تركي عليها، وأن يكون المركز مجانيّاً. «استمرار تلك المراكز يحتاج إلى دعم من جهات قويّة. وهناك مركزان من ذلك النوع في مدينتي «كلس» و «أورفة. أنا تقدّمت باقتراح إلى مستشار وزير الصحة التركي بأن يسمح للطبيب السوري في تلك المراكز بتقاضي أجر رمزي، ما يؤمّن عملاً للأطباء السوريين المتواجدين، من دون الدخول في متاهات الأوراق والاضطرار إلى العمل في مستشفيات تركية».
وكذلك تحدّث أوغلو عن مطالبة بعض الأطباء السوريين بإصدار قرار تركي يسمح بعمل الأطباء السوريين المتواجدين فعليّاً، مع استمرار المنع على من يأتي بعد صدور القرار، ما يمنع قدوم مزيد من الأطباء من سورية. واعتبر أوغلو أن ذلك الطلب غير منطقي، لأنه لا يمكن تفصيل قانون على قياس بعض الأطباء دون غيرهم.
وقبل فترة وجيزة، أعلن أيوب كوموش، المستشار في وزارة الصحة التركيّة، أنّ الوزارة تعمل على تطوير خطة للاستفادة من الأطباء والممرّضين السوريين، في مجال توفير الرعاية الصحيّة للاجئين السوريين في المخيمات، ومراكز صحيّة خاصة، يجري تجهيزها لاستقبال لاجئين.