قتل 20 شخصاً وأصيب أكثر من 450 بجروح، يوم (الأربعاء)، في موجة جديدة من الانفجارات طاولت أجهزة اتصال لاسلكية في لبنان، وفق أحدث حصيلة أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية.
وقال مصدر أمني لوكالة «رويترز» إن أجهزة اتصال يستخدمها «حزب الله» انفجرت في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، مشيراً إلى أن أجهزة الاتصالات التي انفجرت في لبنان اليوم هي أجهزة لاسلكي محمولة ومختلفة عن أجهزة «البيجر» التي انفجرت أمس.
كما أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية عن انفجارات مماثلة في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية وفي البقاع في شرق لبنان.
ووقع انفجار واحد على الأقل في مكان بالقرب من جنازة نظمها «حزب الله» لقتلى الثلاثاء، الذين سقطوا في تفجير الآلاف من أجهزة «البيجر» الذي أسفر أيضا عن إصابة كثير من مقاتلي الجماعة في أنحاء لبنان.
وقال مصدر أمني لـ«رويترز» إن «حزب الله» اشترى أجهزة الاتصال اللاسلكي قبل خمسة أشهر في الوقت نفسه تقريبا الذي اشترت فيه أجهزة «البيجر».
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر للوكالة إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل أجهزة البيجر التي استوردها «حزب الله» قبل أشهر من تفجيرات أمس.
وأفاد «الصليب الأحمر» اللبناني أنه «يستجيب بـ30 فريق إسعاف للانفجارات المتعددة في مناطق مختلفة بما في ذلك جنوب لبنان والبقاع».
وقال مصدر لشبكة «سي إن إن»، إن المعلومات الأولية تشير إلى وقوع ما بين 15 إلى 20 انفجاراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، و15 إلى 20 انفجاراً آخر في جنوب لبنان.
وقال المصدر إن أجهزة الاتصال اللاسلكية أقل استخداماً من أجهزة النداء التي انفجرت أمس الثلاثاء، حيث يتم توزيعها فقط بين الأشخاص الذين ينظمون الحشود، مثل الجنازات والمسيرات.
كما أفادت وسائل إعلام لبنانية، اليوم، بإنفجار جهاز لاسلكي داخل سيارة في موقف مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت من دون وقوع إصابات.
ووفق ما نقلت وكالة الأنباء «المركزية»، حلق الطيران الحربي الاسرائيلي فوق مناطق لبنانية بالتزامن مع سماع الانفجارات.
وتزامنت الانفجارات مع تشييح «حزب الله» لعدد من القتلى في انفجارات «البيجرز».
وبحسب معلومات أوردتها «المركزية»، فإن الأجهزة اللاسلكية من نوع «icom» وانفجرت في أيادي حامليها وداخل المنازل مما تسبب في حرائق.
من جانبه، قال القيادي في «حزب الله» هاشم صفي الدين إن الجماعة تواجه «مرحلة جديدة» و«العقاب آت لا محالة».
قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن إيران تستنكر الهجمات التي وقعت أمس واليوم في لبنان.
وقُتل 12 شخصاً في لبنان وأُصيب نحو ثلاثة آلاف بجروح في انفجارات متزامنة لأجهزة تلقي الإشعارات (بيجر) حمَّل الحزب إسرائيل «المسؤولية الكاملة» عنها.
وقال «حزب الله» في بيان: «بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوافرة حول الاعتداء الآثم… فإنّنا نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي… هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل».
يوم الثلاثاء
كان يوم الثلاثاء الأكثر دموية على الإطلاق في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، فبعد الاختراق الأمني غير المسبوق بتفجيرات «البيجر»، وقع أكثر من 2800 إصابة في عناصر «حزب الله» وُصِفت غالبيتها الساحقة بالبليغة، وأدَّت لحالات بتر أطراف وفقدان بصر، بحيث يجمع العاملون بالشأن الصحي على أن الإصابات كانت أشد من انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020.
ففيما يشبه مشاهد من فيلم بوليسي، انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) يحملها عناصر من «حزب الله» ويستخدمونها في الاتصالات بهم من دون سابق إنذار، مسببةً إصابات بليغة لأكثر من 2800 شخص، وسقوط 12 قتيلاً، بينهم طفلان (8 سنوات) و(11 سنة).
كذلك أُصيب السفير الإيراني لدى لبنان، مجتبى أماني، بعد انفجار جهاز الاتصال الذي كان بحوزته، فيما قُتِل نجل عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمار مهدي.
سقط عناصر «حزب الله» أرضاً متأثرين بإصاباتهم في كل مكان: الشوارع والدكاكين والمنازل.
وبحسب وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، فإن حجم الضربة كان كبيراً، والمستشفيات استقبلت خلال نصف ساعة ما يقارب 2800 جريح.
وفي حين تركزت الإصابات في الوجوه والعيون والبطن والأيدي والأرجل، وفق أبيض، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون،إنه لا إحصاءات حتى الساعة تُظهِر أين كانت الإصابات أكثر من غيرها. لكنه يوضح، بحسب مشاهدته، أنها كانت موزَّعة تقريباً بالتساوي، وذلك بحسب أين كان كل شخص يضع «البيجر»؛ على خصره، أو قريباً من وجهه، أو يحمله بيديه.
وبحسب مصادر لـ«رويترز»، فإن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل 5 آلاف جهاز اتصال لاسلكي (بيجر) استوردها «حزب الله» قبل أشهر من التفجيرات.
إصابات بليغة وحالات بتر وعمى
ويؤكد هارون أن الأغلبية الساحقة من الإصابات (أي ما نسبته 99 في المائة منها) كانت بليغة، واحتاجت لإجراء عمليات ودخول مستشفى، مشيراً إلى أن عدد الموجودين في العناية الفائقة كبير جدّاً.
ويضيف: «الأغلبية الساحقة احتاجت لعمليات. والإصابات بأغلبها بليغة، ولم تكن هناك إصابات طفيفة».
ويشير إلى أن من بين الحالات الأكثر صعوبة كانت الإصابات في العيون والوجه، وتم تحويلها إلى مستشفى تخصصي لإجراء العمليات اللازمة.
فشهد مركز العيون في المتحف، وهو مستشفى متخصِّص بجراحة العيون للحالات الصعبة والعميقة، تدفقاً للحالات الصعبة، ولم يتوقف طبيب العيون النائب إلياس جرادي عن إجراء العمليات الأكثر صعوبة منذ وقوع الاختراق الأمني الثلاثاء.
ويوضح جرادي أن المستشفى متخصص بالجراحات الدقيقة في العيون، واستقبل الحالات التي تتطلب اختصاصاً عميقاً، مشيراً إلى أن الحالات التي كان يتم تحويلها صعبة، وعددها كبير.
رغم ذلك، لا يعمّم جرادي أن كل الإصابات هي بنفس الصعوبة، لأن الحالات التي تُرسَل لمركز العيون هي الصعبة، وبالتالي ليست مقياساً لكل الحالات. ويشير إلى أنه يوم الثلاثاء كان هناك أكثر من 7 أطباء عيون يجرون عمليات للمصابين من دون توقف، واليوم يكمل 3 أطباء إجراء العمليات فيما يرتاح القسم الآخر، ليتسلَّم من الأطباء الذين ما زالوا يعملون في عمليات الإنقاذ.
ويقول: «كان التلف بالعيون والوجه واليدين من أكثر الإصابات التي وصلت إلى المستشفى. وبالمجمل كمية التلف التي شهدناها كبيرة. استطعنا إنقاذ بعض المصابين، لكننا لم نتمكن من إنقاذ البعض الآخر».
ويضيف: «عدد كبير من المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى حصل لديهم تلف كامل بالأعضاء المصابة، هناك حالات أُصيبت بالعمى وحالات بتر أطراف».
وعن المدة التي سيحتاج إليها الطاقم الطبي والمستشفيات للسيطرة على كل الحالات، يقول: «عشنا نفس المرحلة بانفجار المرفأ. سنحتاج إلى نحو أسبوع للسيطرة على الوضع».
ووقعت التفجيرات في وقت متزامن بمناطق لبنانية عدة، في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية الجنوبية، وتطلبت استجابة واسعة النطاق من «الصليب الأحمر» اللبناني استمرت حتى منتصف الليل.
وفي هذا الإطار، يقول المتحدث الإعلامي لـ«الصليب الأحمر» اللبناني، إياد المنذر، إن الانفجارات غير مسبوقة؛ فكانت متزامنة، وسقط عدد كبير من الضحايا، لكن في أماكن متفرقة؛ ما استدعى استنفار عناصر «الصليب الأحمر» على امتداد الوطن.
وساهم «الصليب الأحمر» في عمليات الاستجابة من خلال 134 سيارة إسعاف و450 مسعفاً، ووضع 150 سيارة إسعاف إضافية و450 مسعفاً في مناطق أخرى، في حال تأهب لتقديم الدعم وعمل على نقل 177 مصاباً إلى المستشفيات القريبة، وكذلك من مستشفى إلى آخر، لا سيما خارج العاصمة، وفق ما قال في بيان.
أسوأ من انفجار المرفأ
ويقارن المنذر انفجارات «البيجر» بانفجار المرفأ، فيؤكد أن الأول الأصعب، موضحاً أن «انفجار المرفأ تسبَّب بعدد أكبر من الجرحى، لكن النطاق الجغرافي كان محصوراً ببيروت العاصمة. أما انفجارات (البيجر) فكانت على امتداد الوطن، وتطلبت مجهوداً أكبر لإيصال الجرحى إلى المستشفيات».
وفي عام 2020، وقع انفجار مرفأ بيروت، وهو انفجار ضخم حدث على مرحلتين في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، عصر يوم الثلاثاء 4 أغسطس (آب)، مما أدّى إلى أضرار كبيرة وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية، بيروت، وبلغ عدد الجرحى آنذاك 7000 فيما قُتِل أكثر من 218 شخصاً، من بينهم المفقودون الذين لم يُعثَر لهم على أثر.