شبّهت وسائل الاعلام هجمات  باريس باحداث 11 ايلول التي وقعت في نيويورك سنة 2001 . ورغم الاختلافات العديدة في الشكل وحجم الدمار وعدد الضحايا والبث المباشر للحادثة الاولى على شاشات التلفزة، سببت الحادثتين ردود فعل شاجبة على المستوى الدولي.
ولزم تنظيم القاعدة بعض الوقت لتبني احداث 11 ايلول، فيما قام تنظيم «داعش» باعلان مسؤوليته عن هجمات باريس مهدداً بالقيام باعمال ارهابية اخرى ضد الدول الغربية التي تشارك في الاعمال العسكرية في سوريا والعراق وتستهدف مراكز قوات «داعش»، رغم كل التعليقات والتساؤلات حول جدية الطلعات الجوية التي تنفذها قوات الحلفاء.
وتزامنت هجمات باريس مع انعقاد قمة دول العشرين G20 في تركيا، مما ارغم القادة المشاركين على طرح موضوع الارهاب في طليعة برنامج المحادثات وكيفية التعامل مع تنظيم «داعش» والتنظيمات الارهابية والاصولية الاخرى.
واستخلص القادة العسكريون دروساً مما جرى في باريس، وارتأى الجميع ان عناصر اللعبة العسكرية وسبل التعامل مع الارهاب قد تبدّل جذراً. وجرى استبعاد مسألة التفاوض مع الارهابيين الذين يحتجزون رهائن، كون من ينفذون مثل هذه العمليات يريدون تحقيق امرين: – الحاق الضرر وقتل اكبر عدد من الناس بأسرع وقت والفرار اذا امكن.
– قبول الشهادة، حسب مفهومهم، او التصميم المسبق على الموت. فالمهمة تختصر بنقطتين: اقتل واستشهد ، خاصة عندما يكون الارهابي مزنّرhW بالمتفجرات. فاحتمال الموت هو حتمي في هذه الحالة.
ونظراً لهذه الاستراتيجية الجديدة بدأت شرطة ولاية نيو ساوث ويلز اجراء تمارين خاصة وتحت شعاراً «اطلق النار لتقتل.. اذ لا مجال للمفاوضات…»
هكذا يكون العالم قد أُدخل في مرحلة جديدة من التشدّد وبلغ مرحلة شعارها: العنف ضد العنف، والموت مقابل الموت، واصبح كل شخص مشتبه بمناصرة الارهاب على لائحة التصفية الجسدية عملاً بالمبدأ العسكري: «نفّذ ثم اعترض».
هكذا يكون تنظيم «داعش» قد حوّل الملايين من الناس في جميع انحاء العالم الى اهداف حيّة وطرح علامات استفهام كبرى حول انتماء وميول الكثير من المواطنين… ويطرح في استراليا اقرار المزيد من القوانين لمكافحة الارهاب، كما يجري مناقشة اساليب التعامل العسكري والقانوني لكيفية التعامل ميدانياً مع الحالات الطارئة.. ولا ندري ربما ترغم الحكومة تحت وطأة تسارع الاحداث والضغوطات الشعبية الى وقف هجرة المسلمين الى استراليا بحجة حماية الداخل الاسترالي، بينما يجرى معالجة المجموعات الارهابية في الشرق الاوسط.
للأسف الشديد لا يزال بعض المسلمين مترددين في اتخاذ مواقف صريحة حيال  ظاهرة الارهاب ومن الاحداث الارهابية التي ترتكب يومياً في بلدان عديدة،  ومن ضمنها مؤخراً في باريس بعد بغداد وبيروت… وقد تبنى تنظيم «داعش» معظمها. غير ان ردود الفعل لدى المسلمين في استراليا تتفاوت بين «رفض ان ترتكب جرائم بحق ابرياء باسم الدين…» وكما صرح منذ ايام الرئيس الاندونيسي ويدودو  عندما اعلن ان ما يقوم به تنظيم داعش يسيء الى البشرية والى سمعة الاسلام…»
عامة المسلمين في استراليا بدأوا يدركون مخاطر هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية عليهم وعلى علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية مع المجتمع بشكل عام.
لأسباب عديدة، دينية وعملية وعلائقية داخل المكونات الاسلامية يتحاشى معظم المسلمين الاعلان عن شجبهم لهذا النوع من الارهاب. لكن يذهب البعض، ومن ضمنهم مفتي استراليا لإيجاد تبريرات لظاهرة الارهاب. الدكتور ابراهيم ابو محمد يرفض ادانة الارهاب بعد احداث باريس، واضعاً الملامة على الغرب الذي انتج هذا الارهاب منتقداً ان اساليب معالجته لم تنجح حتى اليوم، واكتفى بتوجيه التعزية لعائلات الضحايا.
وانتقد سكوت موريسون موقف مفتي استراليا المخيب للأمال، كما وجه وزير الهجرة بيتر داتون الملامة الى الدكتور ابراهيم الذي يجب عليه ان يتخذ موقفاً مناهضاً للارهاب وبشكل صريح. ودعاه للاستماع الى آراء العديد من المسلمين المعتدلين في استراليا كون هذا الموقف يساعد على مكافحة التطرف داخل استراليا، بعكس موقف المفتي.
والى جانب العديد من رجال السياسة حاولت جمعيات ومؤسسات اسلامية التنكّر للموقف الذي اعلن عنه مفتي استراليا لأنه لا يعكس حقيقة موقف المسلمين، وذهب البعض للاعلان ان رأي المفتي ربما يعكس موقفه الشخصي وانه ليس المرجعية الوحيدة التي يلتزم المسلمون بتوجيهاتها.
وقد خطا المجلس الاسلامي في فيكتوريا خطوة متقدمة اذ قرر المسؤولون هناك التعاون مع الشرطة والسلطات لمواجهة ظاهرة التطرف ومساعي التأثير على الشباب المسلم عبر الانترنيت. وبدأت مجموعة من المرشدين الدينيين حملة معاكسة. فهم يقومون بزيارة المساجين المدانين بالارهاب لارشادهم ولشرح المفاهيم الدينية التي أساؤوا فهمها والحكم عليها والتعامل معها بشكل يتعارض مع الاسلام، على حد رأيهم.. وبدأ احد العاملين في حقل الخدمات الاجتماعية والشبيبة كوراندا سايت وضع برامج يساهم فيها الشباب المسلم لمواجهة الدعوات التي تطلق هنا او هناك او تصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتدعو الى الكراهية والعنف ورفض التكيّف واللجوء الى الارهاب…
ولم يتردد المجلس الاسلامي في فيكتوريا من ارسال تعازيه لضحايا الارهاب في باريس ولعائلاتهم.
لقد خطا المجلس الاسلامي في فيكتوريا خطوة هامة للتعويض عن الإساءات التي ينتجها تطرف البعض. ولم يلجأ المجلس الى ايجاد التبريرات وخلق الاعذار ليمنح مسحة قانونية للاعمال الارهابية التي ترتكب. فالقتل هو اولاً وآخراً قتل روح بريئة لا علاقة لها بالقرارات السياسية ومواقف الدول. والارهاب هو ارهاب ويجب ادانته، لا تبريرة.
مرة اخرى ادعو جميع المسلمين ألا يكونوا دُماً او حجارة تحركها أيدٍ خفية لاهداف يجهلونها انفسهم. فالله ليس بحاجة لمن يدافع عنه ويذبح باسمه ويعتدي على حرمات وممتلكات الناس ارضاءً له.
فهل اصبح الله داعشياً يحمل سكيناً بيده وحزاماً ناسفاً على خصره؟
مهلاً اعزائي، فالله هو محبة وخير وبركة ورحمة. فلماذا نريد ان نحوله الى جزار؟؟
لنقل الحقيقة مهما عظم ثمنها فكلنا ابناء الله ومن خليقة واحدة وان اختلفت المفاهيم واساليب العبادة.

pierre@eltelegraph.com