بقلم: أ.د / عماد وليد شبلاق
رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية بأستراليا ونيوزيلندا
ونائب رئيس المنتدى الثقافي العربي الأسترالي
Edshublaq5@gmail.com
مفاهيم ومقايس الامس ليست بالضرورة أن تكون هي الأفضل والاقوى و»الاجود» كما يقال عند بعض المفكرين والمحللين من المهنين والحرفين وصناع القرار، فعربات الخيل مثلا كانت في الماضي من الوسائل الفاعلة والناجحة في التنقل والتي حلت محلها سيارات الوقود والكهرباء والطاقة الشمسية في الوقت الحاضر وربما نشهد السيارات الطائرة في المستقبل القريب، وحديثنا اليوم ليس عن التطور الصناعي والتقني الهائل الذي نعيشه اليوم بكل لحظاته وبسرعه مذهله وتقريبا في كل المجالات من صناعه وزراعه واتصالات وتقنيه معلومات وازياء وملابس ورياضه وتواصل اجتماعي وقنوات فضائيه وغيرها وسببت القلق والازعاج للكثير من المستخدمين والمستفيدين للكميات الهائلة من المعلوماتية وكأننا في غرفه عمليات موحده حول العالم ، فبضغطه ( أو لمسه) زر ممكن لك أن تتعرف على ما يجري في الصين من مشاريع هندسيه جباره تبهر العالم أو تذهب ب زر أخر لتتابع الحركة المالية في نيويورك أو لمشاهده ( وعلى الهواء مباشره ) ما يجري بين أوكرانيا وروسيا أو متابعه أخبار زلازل المنطقة الأخيرة ولن تكفيك ال 24 ساعه في اليوم للتعرف على ما يجري من حولك وربما من فوقك أو تحتك، إنما عن جوده الأشياء ( Quality ) ومدى المحافظة عليها والتي هي أصعب من الجودة نفسها وكما قيل في السابق ( قد تصل الى قمه الجبل ولكن الأهم أن تبقى دائما في القمه ) وتعريف الجودة كما جاءت من بعض روادها ( ديمنج وجوران وكروسبي ) بأنها كيفيه تلبيه رغبات أو متطلبات العميل أو الزبون أو طالب الخدمة ومؤكدا هنا بأن الجودة لا تعني الفخامة أو الأشياء الفارهة باهظه الثمن أو الرفعة والقيمة سواء المادية أو المعنوية، فلو قمنا بتقديم خيارات لاحد المزارعين ( Farmer ) بمنحه سيارة لنقل بضاعته أو محاصيله من المزرعة للسوق وكانت على النحو التالي : مرسيدس أو بي .إم أو ونيت تويوتا ( عراوي– Ute )، وبغض النظر عن الاحجام والاشكال ، لاختار الأخير لتحقيق رغبه أو متطلب العربة وظيفيا Functionally ) – هندسه قيميه ! ) مع العلم قد يتدخل البعض (مازحا ) من قرائي الأحباء ويرسل لي تعليقا في اليوم الذي يليه ويقول لي .. يا شيخ كم أنت ساذج وعلى نياتك فمن الذكاء والدهاء للمزارع أن يختار المرسيدس ويبيعها ومن ثم بثمنها يشتري صاحبك (العراوي) ويدخر الباقي لرحله سفر لوجهه « بالي» أو بالك!
التشطيبات النهائية وما صاحبها من أعمال هندسيه للبيوت والشقق والوحدات السكنية (التجارية) اليوم في مدينه سدني وربما في مدن أخرى غيرها في استراليا أساءت كثيرا للجودة ولمفهوم وثقافة الجودة فقد شاهدت وبنفسي، بل وبأم عيني (كما يقال) وتأكيدا.. بأم جوالي (الموبايل) أيضا، على الأقل 2 شهود من الأمهات، الكثير من المناظر والمشاهد المحزنة لمواد بناء والتركيبات المصاحبة والتي لا يقبلها أي شخص يعمل في مجال البناء أو الهندسة أو العمارة فمعظم تشطيبات الحمامات ( Bath rooms ) من الالواح الورقية الهشة والاصطناعية synthetic sheets بدلا من بلاطات السراميك والرخام الحقيقية ذات المتانة والجودة العالية وجدران الفواصل بين الغرف وبين الجيران كلها أصبحت من حوائط الجبس الرقيقة وكذلك الممرات والمناطق المحيطة !
الجودة.. ثقافه وإتقان ومن المعيب أن نقوم بتبخيس الأشياء من مواصفات ومواد بناء لتحقيق مكاسب تجاريه سريعة قد تنقلب على صاحبها فأروقه المحاكم ما زالت تزهر بملاك ومحامي الأبراج السكنية في المدينة ولا ينبغي اتخاذ الاعذار الواهية لمواجهه طلبات المهاجرين المتزايدة وليس هناك حجج لتفنيد مزاعم العرض والطلب بل يجب المحافظة على الجودة والعمل على اتقانها وفي كل المراحل (تصميم/تنفيذ/ صيانه وتشغيل ) وخصوصا للوحدات السكنية والتي لا يجب أن تقل أعمارها عن 50 سنه وبدون تكاليف إضافية مرهقه وغير متوقعه لجميع الأطراف ( مطورين ومالكين ومستأجرين).
أما السيارات ( وبجميع أنواعها ) اليوم وليست في مدينه سدني فحسب بل تعدت العالم كله تطل علينا مسألة الجودة أيضا مره أخرى بظلالها ، فهياكل سيارات اليوم ليست كما في الامس القريب ومؤكدا أن أقسام البحث والتطوير (R&D ) قد اشبعت الصناعة دراسة وبحثا وتطويرا وتحسينا ولكن من الواضح أن نوعيه الهياكل اصبحت أكثر رقه وأقل وزنا وتحملا وكأنها رقائق من التنك أو الصفيح ( Tins ) والتي لم تعد تتحمل أي ضربات جانبيه متعمده أو غير متعمده وما بالك في حوادث التصادم في الطرقات والتي غالبا ما تقضي على المركبة بالكامل وربما على من فيها.
هذه أمثله ماديه محسوسة أسوقها اليوم لعلها تذكر بعضا من أصحاب المصالح ومتخذي القرار بأهمية العودة الى» جوده الضمير والفكر» لإتقان العمل وإجادته وأن لا يلجأ هؤلاء لإغماض أعينهم عن الممارسات الخاطئة ( أخطاء فنيه وفساد ومحسوبيات ) في صناعه البناء والتشييد والتي راجت في الفترة الأخيرة نتيجة النقص الحاد في مشاريع الإسكان والله المستعان.