لم تكن الرسالة التي اطلقها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية نائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزف بوريل الى المسؤولين والقادة السياسيين اللبنانيين من اللحظة الأولى لانطلاق جولة لقاءاته التي بدأها صباح امس الأول في قصر بعبدا مفاجئة بخطوطها العريضة التي كانت متوقعة ولكن ذلك لم يقلل اطلاقا من ألاهمية الكبيرة التي انطوت عليها هذه الرسالة والمواقف التي اعلنها بوريل من الواقع اللبناني المأزوم .

اذ يمكن القول ان بوريل وبديبلوماسية عالية للغاية اعتمد “الحزم الناعم” والشديد الوضوح في التوجه الى القيادات الرسمية والسياسية من خلال إسهابه في عرض التعهدات المغرية للمسؤولين في تحمل مسؤلياتهم للخروج من الازمة وتشكيل حكومة إصلاحية تتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي هو الممر الالزامي لحصول لبنان على الدعم الأوروبي السخي في مقابل التلويح بصراحة بان سلاح العقوبات الأوروبية مطروح على الطاولة . كرر بوريل تحديد هذه المعادلة بما يقطع الشك في استبعاد سلاح العقوبات بعدما راهنت جهات محلية على تمايزات داخل الاتحاد الأوروبي من شأنها استبعاد العقوبات ولكن مواقف بوريل بدت بمثابة تحذير أخير بان العقوبات وان كانت لم تقر نهائيا بعد فهي في الطريق الى ان تبصر النور . واما الرسالة الأشد وطأة وحزما فكانت في تشديد بوريل على تحميل المسؤولين اللبنانيين التبعة الكاملة عن الازمة والانهيار المحتمل حين اعلن بحزم انها ازمة داخلية مئة في المئة ومن صنع لبنان قاطعا طريق التذرع بالتدخلات الخارجية على من يعطلون الحل.

وبدا لافتا ما أفادت به معلومات من ان “تحديد اسباب الازمة التي يشهدها لبنان، كانت متفاوتة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمسؤول الاوروبي. فالاول حملها الى النازحين السوريين، الامر الذي لم يقنع بوريل، الذي رأى ان تأليف حكومة والمباشرة بالاصلاحات، كفيلان ببدء اخراج لبنان من الحفرة، معتبرا ان التدقيق الجنائي وسواه، يتطلبان حكومة اوّلًا كما انه لا يجوز تحميل اللاجئين تبعة الازمة . في المقابل، لفتت المعلومات الى ان وجهات النظر بين المسؤول الاوروبي ورئيس مجلس النواب نبيه بري كانت اكثر تطابقا. فالتشديد كان مشتركا بينهما على ان تشكيل الحكومة وفق المبادرة الفرنسية كأولوية، وكل الباقي تفاصيل، مشيرة الى تشجيع بوريل رئيسَ المجلس على المضي قدما في مساعيه التوفيقية”.

وفي بيانه الذي افتتح به زيارته أعرب بوريل من بعبدا عن قلقه للغاية بسبب الازمة التي يواجهها لبنان ، قائلاً ان “الاتحاد الأوروبي متضامن مع الشعب اللبناني ومستعد، للقيام بتقديم الدعم ولكن لا نستطيع تقديم المساعدة من دون اصلاحات”. وأطلق بوريل “رسالة لكل القادة اللبنانيين باسم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، وهي بان الأزمة في لبنان صناعة وطنية وليست من الخارج، وأرقام الفقر والبطالة دراماتيكية وعلى القادة اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم”. وأضاف “لبنان بحاجة إلى اتفاقية مع صندوق النقد الدولي وليس هناك من أي وقت لتضييعه ،لبنان على حافة الانهيار المالي وسأتابع مباحثاتي مع أعضاء آخرين من القادة اللبنانيين”. وشدد على أن الاتحاد الأوروبي مستعد للمساعدة “ولكن إزاء الظروف اللبنانية الحالية قد نلجأ إلى أساليب أخرى منها العقوبات مع أننا لا نحبّذ اللجوء إليها كحلّ”.وأضاف “لبنان كان ملجأ لاناس من دول تواجه الأزمات ونحن مستعدون لتقديم دعم أكبر للبنان وكل الدول التي تهتم باللاجئين. أزمة لبنان هي بسبب سوء الإدارة وليس بسبب عدد اللاجئين”. وعن الانتخابات النيابية، قال ” الانتخابات النيابية المتوقعة في 2022 يجب ان تحصل في موعدها من دون أي تأجيل ومستعدون لإرسال لجنة مراقبة، في حال طلب منا ذلك، لمراقبة الانتخابات والتأكد من انها تتم بشفافية”. واكد “عدم رغبتنا بتطبيق العقوبات وهذه الزيارة التي تحصل اليوم جزء من الجهود التي نبذلها لنرى كيف يمكننا المساعدة”. ورداً على سؤال عن ادراج عون على لائحة العقوبات، قال بوريل “ليست مدعيا عاما ولست هنا لأوجّه اتهامات، بل لأفهم أكثر طبيعة الصعوبات وإجراءات العقوبات طويلة وتحتاج معلومات كثيرة، وهذه الزيارة هي زيارة صديق لفهم طبيعة المشاكل ولوضع حل لها”. وأضاف “في الوقت الحالي لم يتم اتخاذ قرار بشأن العقوبات وبحال تمّ فرضها فذلك بهدف تحفيز السياسيين إلى وضع حلول”.

بعبدا

وأفادت بعبدا ان عون ابلغ بوريل أن “الإصلاحات هي المعركة الأساسية التي ستخوضها الحكومة الجديدة فور تذليل العقبات الداخلية والخارجية من أمام تشكيلها” وأضاف ان خصوصية الوضع اللبناني تتطلب مقاربة واقعية وتشاركية وميثاقية في تكوين السلطة التنفيذية وطالب بوريل باستمرار تقديم المساعدات للبنان لافتاً الى أهمية مساعدة أوروبا في استعادة الأموال المهربة الى الدول الأوروبية”. وشدد على أن “التدقيق المالي الجنائي هو الأساس في مكافحة الفساد الذي تقف وراءه منظومة تضم مسؤولين وسياسيين واقتصاديين ورجال مال وأعمال” وأكد أن “موقف لبنان ثابت من ضرورة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم خصوصاً بعد استقرار الوضع الأمني في معظم الأراضي السورية لأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل تداعيات هذا النزوح على القطاعات كافة”.

ومن بعبدا انتقل الدبلوماسي الى عين التينة حيث التقى الرئيس بري، الذي قدم شرحاً مفصلاً عن مبادرته الرامية لتجاوز الازمة الحكومية والمراحل التي قطعتها وأين تقف الان، مؤكدا أن “العقبات التي تحول دون إنجاز الحكومة هي محض داخلية”. وزار بوريل السرايا حيث التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال حسن دياب ثم زار بيت الوسط حيث التقى الرئيس المكلف سعد “الحريري، وتناول اللقاء آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في البلاد، والعلاقات بين لبنان والاتحاد،كما التقى نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر ثم قائد الجيش العماد جوزف عون على ان يلتقي اليوم ممثلين عن هيئات في المجتمع المدني قبل ان يغادر بيروت .

جعجع

وفي المقابل وفي بيان حاد جديد ضد الفريق الرئاسي، اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع امس الأول انه “بخلاف ما يطرحه البعض حول طبيعة الأزمة القائمة، فإن المشكلة الحالية ليست مشكلة صلاحيات بين الرئاسات ولا مشكلة طائفية، إنما صراع مصالح ضيقة ونفوذ وسلطة” مشيرا الى ان “الّذين يقولون بانهم يعملون لتحصيل حقوق المسيحيين عليهم العمل أولا على إرساء السيادة وإعادة القرار الاستراتيجي للدولة وتمكينها من القيام بدورها، لأنه هنا تكمن حقوق المسيحيين الفعلية، وعليهم السهر ثانيا على إدارة الدولة بعيدا من السرقة والفساد والإهمال والزبائنية والمصلحية التي أفقرت المسيحيين واللبنانيين”. وسأل: أين هي حقوق المسيحيين واللبنانيين من الفساد والإهمال واللامبالاة واللامسؤولية في إيصال اللبنانيين إلى العتمة بسبب الإدارة الكارثية لقطاع الطاقة على سبيل المثال لا الحصر، او في سرقة أموال الناس ومدخراتهم وجنى عمرهم وتعبهم” واعتبر : “إن مقولة تحصيل حقوق المسيحيين هي الكذبة الجديدة التي يطالعنا بها “التيار الوطني الحر” بعد أكاذيب التحرير وسيادة الدولة اللبنانية ومنع السلاح غير الشرعي، وبعد أكاذيب الإصلاح والتغيير. ان كل المقصود في الوقت الحاضر بكذبة تحصيل حقوق المسيحيين هو تأمين المستقبل السياسي لجبران باسيل ومن معه بعد ان أصدر الشعب حكمه عليه”.

السينودس الماروني

ووسط هذه الأجواء، أيّد سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في بيانه الختامي موقف البطريرك مار بشاره بطرس الراعي “في تحركه الوطني الهادف إلى إنقاذ لبنان بعد تعثر التوافق السياسي وعجز المسؤولين عن تأليف حكومة إنقاذية تعالج الفساد وتقوم بالاصلاحات المطلوبة، وانسداد الأفق أمام إيجاد مخرج للأزمات المتراكمة والانهيار الحاصل، وذلك عبر الدعوة إلى إعلان حياد لبنان تحييدا ناشطا، قناعة منهم بأن حياد لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلة المليئة بالمتغيرات الجغرافية وضمانة دوره في استقرار المنطقة لاسيما أن الحياد يتماشى مع الدستور والميثاق الوطني ويؤمن الاستقرار والازدهار، وإلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لأنها هي المخولة بحكم تأسيسها وقوانينها، الدفاع عن الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها، وتطبيق القرارات الدولية المتخذة والتي لم تطبق حتى الآن”.