اذا صح ان «اللاءات الثلاث» التي اعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الاول والمتصلة بملف قانون الانتخاب «لا لقانون الستين ولا للتمديد ولا للفراغ» تختصر الحد الادنى الجامع من التفاهم السياسي على حتمية التوصل الى قانون جديد، فان ذلك لا يعني ان الطريق باتت معبدة امام «الصيغة السحرية» التي من شأنها ان تنهي ازمة القانون الانتخابي. لكن الثابت ان مجمل التحركات والمشاورات السياسية التي عادت تنشط في الايام الاخيرة تجري مبدئيا تحت سقف التزام التوصل الى تسوية لا تزال معظم الاتجاهات الغالبة حيالها ترجح مشروعاً مختلطاً على قاعدتين متلازمتين هما عدم امكان فرض اتجاهات تصنف بانها اتجاهات «حادة» كالنسبية الكاملة أو مشروع «القانون الارثوذكسي» والانفتاح على صيغ مختلطة تحظى بمعايير موحدة لا يشعر معها أي فريق انه قد يكون مستهدفاً.
وتفيد أوساط معنية بالمشاورات الجارية ان جميع الافرقاء بدأوا يستشعرون خطورة المضي من دون التوصل الى تسوية في ظل خطر الفراغ المحتمل في مجلس النواب والذي لم يعد مجرد سيناريو بدليل بروز اجتهادات حول ما يتضمنه الدستور من مواد محصنة لاستمرار السلطة التشريعية في حال انتهاء ولاية المجلس من دون الاتفاق على قانون انتخاب أو التمديد للمجلس. واكتسب لقاء رئيس الوزراء سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي « النائب وليد جنبلاط عقب جلسة مجلس الوزراء مساء أمس الاول في السرايا دلالات بارزة لجهة ابراز تزخيم المساعي للتوصل الى تسوية ولو ان الفريقين يجمعهما مبدئيا التحفظ عن اعتماد النظام النسبي. وأوضح جنبلاط ان «أهم شيء ان نخرج من هذا المأزق ونتوصل الى قانون انتخابي يؤمن الشركة والمصالحة والانفتاح ولا يخلق توترات»، لافتاً الى «ان هذا اتجاه الجميع «. وفي موضوع النسبية الكاملة ذكر جنبلاط بمطالبته في مؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي «بالستين معدلا بحيث نتقدم الى شيء من المختلط». ونفى وجود اي خلافات مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وحرص الرئيس الحريري بدوره على تبديد الاجواء المتشائمة حول ازمة القانون، فأكد ان «هناك صيغاً عدة تتم مناقشتها بكل ايجابية من كل الافرقاء»، وشدد على «اننا نريد قانون انتخابات وان تجري الانتخابات قريبا والجميع مدركون انه لا بد من التوافق على قانون جديد». وأضاف: «كرئيس للحكومة اذا لم ننجز قانون انتخاب فان هذه الحكومة تكون قد فشلت وكل الافرقاء في الحكومة لديهم هذا التصور «. وقدر نسبة التقدم الحاصل لانجاز قانون الانتخاب بانها «قد تصل الى 70 في المئة». وكرر ان «القرار السياسي الذي اتخذ هو ان سيكون هناك قانون انتخاب وهذا القرار سينفذ». ونفى كل ما يثار حول رغبة «تيار المستقبل» في تأجيل الاستحقاق الانتخابي لانه « ليس تياراً ضعيفاً بل تيار قوي وموجود في كل لبنان».
وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق نفى الكلام عن مقايضة يتبنى بموجبها الرئيس الحريري النسبية كاملة في مقابل الحصول على ضمانات لبقائه في رئاسة الحكومة. وقال ان وجود الحريري في رئاسة الحكومة» هو حق بسبب حجم تمثيله وعدم قدرة احد على ان يتجاوزه لا سابقاً ولا لاحقاً». لكن المشنوق جدد اقتناعه بعدم امكان التوصل الى قانون انتخاب جديد قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
المواد الضريبية
في غضون ذلك، انجز مجلس الوزراء الكثير من المواد المتبقية من مشروع الموازنة ولم يستبعد وزير الاعلام ملحم الرياشي الانتهاء من مناقشتها في جلسة اليوم الجمعة، مع ان الرئيس الحريري أشار الى ان ثلاث جلسات أخرى ستعقد الاسبوع المقبل. وعلم ان مجلس الوزراء ناقش أمس الاول 56 مادة تتعلق باجراءات ضريبية وتنظيمية وادارية، اما كل ما له علاقة باجراءات ضريبية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب فترك للجان النيابية المشتركة في اجتماعها الاثنين المقبل. كما علم ان عدداً من الوزراء اعترضوا على اجراءات ضريبية بينهم الوزير ميشال فرعون. وغرد وزير المال علي حسن خليل بعد الجلسة موضحاً «ان ما انجز اليوم يؤكد ان الموازنة تسير جدياً نحو الاقرار ولا ضرائب تطاول الفقراء او تؤدي الى مشكلات اقتصادية ومالية».
على الصعيد الامني وعلى رغم نجاح الاتصالات الفلسطينية – الفلسطينية والفلسطينية – اللبنانية في التوصل إلى اتفاق لوقف النار في مخيم عين الحلوة، بعد اللقاء الموسع للفصائل الفلسطينية وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل التحالف التي تضم حركتي «حماس» و «الجهاد الاسلامي» اضافة الى قوى اخرى تتخذ دمشق مقراً لها، لا تزال النار تحت الرماد، علماً ان موقف «حماس» الرافض لسحب سلاح المخيمات قد ينذر ببقاء الاوضاع على حالها.
وبدت جولة الاشتباكات الأخيرة التي شهدها المخيم بمثابة إختبار من الجماعات المتشددة لحركة «فتح» بعد التسريبات عن اتفاق الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الحكومة اللبنانية على تسليم أمن المخيمات الى الجيش، الامر الذي ترفضه بعض الفصائل الفلسطينية ومنها «حماس» التي أكد ممثلها في لبنان علي بركة ان «السلاح الفلسطيني مرتبط بحق العودة والعدو الصهيوني يريد إنهاء هذا الحق عبر دمج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات التي يقيمون فيها وبالتالي القضاء على المخيمات، بينما المطلوب هو الحفاظ على المخيمات ككيانات اجتماعية الى حين عودة الفلسطينيين الى ديارهم».
وفي موقف بالغ الوضوح من تسلم الجيش أمن المخيمات، قال بركة: «نحن لا نرحب بتسلّم الحكومة اللبنانية امن المخيمات، فالامر يحتاج الى حوار لبناني – فلسطيني شامل، عدا انه اذا تسلمت الحكومة الامن في المخيمات فإن وكالة الاونروا ستفقد دورها وهي الشاهدة على تهجير الفلسطينيين وحق عودتهم الى فلسطين، لذلك ننبّه الى عدم الاستعجال في مسألة سحب السلاح». ولا تتفق رؤية «حماس» للتوصل الى حل لأزمة المخيمات وتصوّر رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الوزير السابق حسن منيمنة الذي صرّح بأنه «يجب سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات لأنه فقد دوره في مواجهة اسرائيل واصبح اداة للاقتتال الداخلي والاغتيالات والتفجيرات. ويكمن الحل الجذري في تسلّم الدولة أمن المخيمات، عدا ان الحوار الوطني اللبناني أكد ضرورة سحب هذا السلاح». واعتبر ان «الحل الامني غير مجدٍ ما لم يتم اخراج المتطرفين بالقوة من المخيمات في موازاة تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها».