بقلم هاني الترك OAM

جون ناتش شخص عادي وفي ذات الوقت غير عادي.. فهو يتمتع بذكاء يفوق المتوسط. . والى درجة العبقرية.. وكان يدير اعماله على احسن وجه.. قابل ظروفاً صعبة في حياته اوقعته في انياب الانهيار العصبي.. وتطورت حالته الى مرض الفصام العقلي.. اصبحت حياته جحيماً لا يطاق.. هلوسه.. اوهام.. تخيلات غير واقعية.. الانسلاخ عن الواقع.. واضطراب في التفكير.. لا يستطيع ان يفصل داخل عقله بين الواقع والخيال.. اخذ يعلق على حائط مكتبه صوراً عن الحروب.. وعن خطة دولية لاغتياله.. وغيرها من الشطحات المجنونة.
ادركت زوجته اليشيا ان جون مصاب بمرض عقلي وبحاجة ماسة الى العلاج.. لم تتركه يتخبط عشوائياً مترنحاً بين الحقيقة والخيال.. فقامت برعايته وعلاجه.. لأن المريض النفسي يبحث دائماً عن الدعم والسند والشعور بالمحبة والعطف.. ادخلته مستشفى الامراض العقلية ليتلقى العلاج.. وامضى فيه خمسين يوماً.. خرج بعدها ليواجه الواقع .. واخذت صحته تتحسن ولكن لم يشف.. فلا شفاء من مرض الفصام العقلي.. انما علاج للسيطرة عليه.
عرفت اليشيا كيف تحافظ على صحته الضعيفة.. فأهم شيء في تعاملها معه كزوجة وصديقة.. يتكئ على صدرها.. تفهمه محاولات الفصل بين الواقع والخيال.. الى ان تمكن من الوقوف على قدميه.. واصل ناتش دراسته.. كافح بجهد جهيد واصبح اكاديمياً مرموقاً .. حتى حصل على جائزة نوبل بالرياضيات.. وهو عاش  في المجتمع كأي شخص عادي يقوم بأعمال خيرية لمساعدة المرضى الآخرين.
تلك الوقائع هي قصة حقيقة جون ناتش التي اخرجت للسينما في فيلم يحمل عنوان «عقل جميل». لعب فيه دور ناتش الممثل الاسترالي العالمي المعروف راسل كرو.. وحصل على الجائزة الاولى في مهرجان غولدن غلوب.. وعلى اربع جوائز اوسكار.
وقد حضر الفيلم لتقييمه قبل عرضه على الشاشة الكبيرة عدد من الاطباء النفسانيين والاخصائيين الاجتماعيين وبعض الاهالي الذين يعاني احد افرادها من مرض عقلي او نفسي.. اخذ بعضهم يبكي حزناً على الألم الذي كان يعانيه ناتش.. والواقع ان واحداً في المئة من مجموع السكان مصاب بمرض الفصام العقلي.. ولكن اللأسف فإن الجزء الاعظم من الناس يصابون بالذعر حينما يقابلون شخصاً منفصماً.. يتوقعون ان يحمل سكيناً ويشهرها في وجوههم.. او على افضل حال يتجنبونه.. فإن وقوع الشخص في هذا المرض سببه الحساسية المفرطة لديه.. والخوف من سطوة المجرمين والناس الغليظي القلب.. لهذا فإن هدف الفيلم هو توعية الناس.. وتحرير فكرهم من الجهل بالامراض العقلية وعلى كيفية التعامل مع المرض.. فقد برز منهم علماء وعباقرة.. وكما يقول المثل «هناك شعرة واحدة بين الجنون والعبقرية»
ان المرض العقلي لا ينقض على الشخص مرة واحدة بدون سابق انذار.. ولكنه نتيجة تراكمات من التجارب المريرة التي تهز اعصابه وقد تؤدي الى انهياره ووقوعه في انياب الفصام العقلي.. واهم مظاهر العلاج هي وصف العقاقير الطبية التي تحتوي علىعناصر كيميائية لتحدث عملية التوازن في جهازه العصبي.. اي انها تعالج المريض ولا تشفيه.. ووصف الطبيب العقاقير الطبية المناسبة لمريض هو بمثابة ربح جائزة اللوتو.. لأن كل شخص يختلف عن الآخر في تركيبته العقلية والجسدية.. ومجموعة من الجينات هي المسؤولة عن كل مرض.. وليس واحدة او اثنين .. والعلماء لا يعرفون سوى الشذرات القليلة عن كيفية عمل المخ.. والعناصر الكيمائية المركبة المعقدة التي تتفاعل فيه.. ومن هنا فإن الطبيب يوصف ويجرب عدة عقاقير في محاولة من اجل وصف العقاقير المناسبة.. ولا توجد عقاقير طبية مناسبة اطلاقاً لحالات معينة.
اضافة الى ذلك يجب تلقي العلاج النفسي بالكلام.. حتى يخرج المريض ما في صدره من اضطرابات وهلوسات وخيالات ويرده الطبيب الى الواقع بقدر الامكان.. وبالطبع ان دعم الاسرة والاصدقاء والمجتمع هو اساسي في عملية العلاج.. وكل هذه العوامل تلعب دوراً فاعلاً في العلاج.. فإن المرض العقلي هو في الاساس حساسية مفرطة.. واحباط وقنوط.. وحياة قاسية جداً.. فالعيب ليس في نفسية المريض.. ولكن في المجتمع الذي يسبب المرض وخصوصاً في مجتمعنا العربي الذي لا يحترم المريض النفسي بل ويجعلونه موضع سخرية وضحك وهزء .. فإذا كان شخصاً بسيطاً ومريضاً نفسياً فإنهم يلاحقونه حتى تتدهور حالته الى الأسوأ ويقودونه الى الجنون.. والمثل العربي في التاريخ العربي يقول: «اذا لم تكن ذئباً اكلتك الذئاب.. فالعيب في المجتمع الذي يسبّب المرض.
وفي عطلة الاسبوع قتل جون ناتش في حادث سيارة.. وكان مع زوجته في سيارة اجرة فقد سائقها السيطرة على المقود واصطدم بحاجز اثناء القيادة واطيح بهما من السيارة الى الشارع واعلنت وفاتهما في مكان الحادث.
وكان يبلغ جون ناتش من العمر 86 عاماً وزوجته 82 عاماً.. وكتب الممثل كروز على موقع تويتر قائلاً انه صدم من التقارير عن موت ناتش وزوجته اليشيا  وقال انها شراكة مذهلة بين الزوجين جون وزوجته اليشيا.. عقول جميلة وقلوب جميلة..