بقلم / سميح موسى
قال الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة في آذار 2018 أن كل من وصف الحكومة السورية بكلمة نظام هو غير محايد البتة ، لقد استفزته هذه الكلمة دون داع ، أليست كل الدول محكومة بأنظمتها و من كان مقتنعا و سعيدا بنظامه فهنيئا له و من لم يكن راضيا و سعيدا عن نظامه و حكومته فليعارض بالطريقة التي تجعله يقنع الناس و يكتسب شعبية عاقلة تفرض على الحكومة تحسين أدائها او يحل محلها بالطرق الدستورية.
لعل وجود هكذا معارضة في معظم الدول العربية و نصف الدول الآسيوية و الأفريقية و بعض دول أمريكا اللاتينية ضرب من المستحيل. ..لأن هذه الدول الموصوفة بالدكتاتورية اعتادت على كم الأفواه و قمع المحتجين و اكتظاظ معتقلاتها بسجناء الرأي. و لكن أليس نحن من اعتاد على صنع هذه الدكتاتوريات منذ سبعون عاما و هتف و صفق لها طويلا و جعلناها في مصاف الآلهة حتى صدقت نفسها و صدقنا نحن أيضا. و عندما أراد البعض إسقاط هذه الدكتاتوريات كان طريقه الوحيد يمر عبر البوابة الأمريكية و على ظهر الدبابات الأمريكية.
و السؤال هنا : هل يحكم الأمريكان من قبل رؤسائهم المنتخبين ديمقراطيا بديمقراطية حقا و الجواب طبعا لا …..فقد شهدت أمريكا مظاهرات لم يشهدها العالم قاطبة ضد غزو العراق و حصل الغزو ضد إرادة الشعب و ضد إرادة الأمم المتحدة و انتشرت السجون الأمريكية السيئة الصيت في اوروبا و غوانتانامو و ابو غريب ثم يحدثونك عن الحرية و الديمقراطية .
انظروا كيف أطاح دونالد ترامب بكل خصومه و معارضي سياسة النظام الأمريكي و كان آخرهم وزير الخارجية تيلرسون ، و كم من دكتاتورية دعمت من قبل أمريكا و الغرب و شجعت على قمع شعوبها و كم من أنظمة ديمقراطية أطيح بها لأنها قالت لا لملك الغابة و حاولت الوقوف في وجهه ثم جاءت لتعطي الشرعية لهذا النظام أو تسقطها عن ذاك فأصبحت تطلق كلمة SYSTEM على من تراه شرعيا و كلمة REGIME على من لا يروق لها لتعطي لهذه الكلمة معنى طغمة حاكمة .
قال المخرج و المؤلف الأمريكي الشهير وليم أوليفر ستون في حفل توزيع جائزة المؤلفين الشباب 2017 إن أمريكا نفسها محكومة بنظام سياسي سيء دائما. ..يشن الحروب و يثير الفتن ، يغير الأنظمة و يبيد الشعوب لتمتلىء جيوب الأمريكان بالمال و قال أيضا : ما الفرق ببن أوباما و ترامب فكلاهما يعبثان بأمن و استقرار العالم و يقومان بالإساءة الى أمريكا نفسها. و اعتقد ان لديه الحق في قول هذا ، فرؤساء امريكا لا ينظرون الى العالم إلا من خلال صواريخهم و حاملات طائراتهم التي تصل إلى كل مكان ، فالسياسة الأمريكية هي نفسها سواء أكان الرئيس ديمقراطيا ام جمهوريا ، كاثوليكيا مثل كيندي أو بروتستانتيا مثل بوش أم مسلما مرتدا مثل أوباما فإن أمن إسرائيل أولوية لديهم ، سواء أكان زير نساء مثل كلينتون أو ترامب الذي يعشق المال أيضا أم زاهدا مثل روزفلت فلا مانع من ابتزاز الشعوب و الدول الأخرى لمصلحة أمريكا ، و سواء أكان الرئيس الأمريكي مؤمنا و مواظبا على حضور قداس يوم الأحد أو تاركا صلاته ليتجسس على الأخرين مثل نيكسون فجميعهم متساوون في الجوهر و متشابهون في الأعمال و لا تظن أن اتفاقية هشة مع إيران او سحب كتيبة جنود من العراق أو تخفيض نسبة البطالة بنسبة 0.3 % أو حضور حفلة زواج زملائه المثليين يعطيه الشرعية المطلقة و يحجبها عن دول اخرى .
فاز الرئيس السوري د. بشار الأسد في انتخابات 3 حزيران 2014 بنسبة 88.8 % ليصبح رئيسا شرعيا للبلاد لفترة رئاسية جديدة .و ليس لأحد ان يصبغ صفة الشرعية أو اللاشرعية على رئيس دولة أخرى إلا صناديق الإقتراع ، طبعا د.بشار الأسد ليس أفضل رجلا أنجبته الأمهات في سورية .كما أن الطريقة أو الظروف التي جرت فيها الإنتخابات كانت خاصة و صعبة و لكن مجرد وجود مرشحين أو منافسين للرئيس يعتبر معجزة في دولة مثل سوريا و حصلت هذه المعجزة ، ناهيكم أن نتيجة الانتخابات 88.8 ( ثلاث ثمانات ) كسرت للرقم الذي اعتدنا عليه منذ عقود و هو 99.999 ( خمس تسعات ) و هذه معجزة أيضا، و المعجزة الثالثة أن تقنع الشعب السوري بأن يذهب إلى صناديق الإقتراع بديمقراطية و صمت ، فالرئيس نفسه دخل غرفة الإقتراع السرية و أغلق الستارة دونه و ادخل ظرفا مغلقا في الصندوق بينما رأيت أصدقائي و هم مدرسون في الجامعة يلوحون بورقة الإقتراع أمام الملأ و لسان حالهم يقول : انظروا ما أجملنا ….نحن انتخبنا بشار الأسد .
إذا كان المنتخبون في سوريا قد صوتوا للرئيس الأسد بمحض إرادتهم فهم يستحقون هذا الرئيس ، و إن كانوا قد صوتوا خوفا أو تملقا أو محاباة فهم أيضا يستحقون هذا الرئيس .
و في النهاية أصبح هو الرئيس الشرعي لنظام شرعي لدولة عضو في الأمم المتحدة و لديها مندوبها الدائم الذي يتحدث باسمها و مازال سفراؤها يمارسون مهامهم في معظم عواصم العالم و تتحضر عواصم أخرى لعودة السفراء و العلاقات و الأفضل للدول المشككة بشرعية النظام السوري أن تعيد بناء الجسور معه و إظهار حسن النية بدلا من هدر المال و الوقت الذي تستحقه شعوبها و شعوب العالم المشردة و الجائعة في أكثر من مكان على هذا الكوكب .