بقلم شوقي العيسى
عام 1990 كنت قد تخرجت من اعدادية التجارة وحسب القانون العراقي الاخضاع للعسكرية الألزامية ، فتسلمت من مديرية التجنيد كتاب (التسويق) وهو الكتاب الذي يرسلني الى مركز تدريب ، وبالفعل كنت مع اصدقائي وزملاء الدراسة صلاح وعبد الحسين قد ترافقنا حينها الى مركز تدريب مشاة المثنى (السماوة) ، شعور يختلج اي انسان ينتقل من مرحلة الدراسة الى مرحلة العسكرية ، فكنت ذاهب الى حيث المجهول!!!
اتفقنا نحن الثلاثة على السفر في عطلة نهاية الاسبوع ، كان يوم الجمعة لكي نكون صباح السبت هناك ، وبالفعل وصلنا مركز التدريب ، حيث كان باستقبالنا «العريف» ذلك الشخص الذي كان يتطوع للدخول للانتماء للجيش العراقي ، الصلاحيات التي يتسلمها من تدريب الجندي ، وهنا لابد من الاشارة الى أن «العريف» يتعامل بخشونة وانتقام وقساوة من اي جندي يأتي للتدريب وخصوصاً الخريجين الذين يأتون من المدارس او الجامعات، استقبلنا العريف بكم هائل من الاهانات والتوبيخ من دون سبب وقد الحقونا باقراننا الذين سبقونا في المعسكرمن دون ان نستلم ملابس عسكرية وهذا كان من حسن حظنا ان يجعلونا خلف الصفوف التي تراصت من دون اي نفس للاستماع الى احد كبار الضباط الذي يسمى «بالعميد» الذي قال «نحن اليوم سننقلكم الى مكان آخر ومد ذراعه الأيمن ليشير الى الصفوف المتراصة ليقسمها الى قسمين» من دون أن نعلم أين وجهتنا.
ذهبنا الى الباصات التي كانت تقف بانتظارنا صعدنا الى من دون ان نهمس ببنت شفه الى بعضنا ورحنا نناجي بعضنا الى أين ياخذوننا؟؟؟ ، وانطلقت الحافلات من الصباح الباكر حتى المساء واذا بمركز تدريب مشاة التاجي في محافظة بغداد. استقبلنا العريف وسلمنا ملابس عسكرية في الليل واخبرنا اننا سنبدأ التدريب في صباح اليوم التالي ، وبالفعل بعد ان ارهقنا التعب لرحلة دامت ست ساعات خلدنا للنوم العميق لم ننتبه الا بحركة قوية وبوق للنهوض في تمام الساعة الخامسة صباحاً.
بعد أن ارتدينا الملابس العسكرية وهذا هو اليوم الأول لنا في التدريب العسكري الذي لم نفقه منه شيئأ وبدأت مرحلة التدريب من الخامسة صباحا حتى العاشرة صباحاً حيث فترة الافطار، تقف بالطابور لتستلم افطار الصباح ، ثم العودة مرة أخرى للتدريب حتى الساعة الثانية ظهراُ فوجبة الغداء والعودة مرة أخرى للتدريب حتى الخامسة عصراً انتهى وقت التدريب وعدنا الى اسرّتنا ونظرت الى صديقاي وسألتهم هل سنبقى ؟ فتبسموا وقالوا»دعونا نذهب» وبالفعل تسللنا وخرجنا من المعسكر وعدنا الى محافظتنا البصرة وكنا قررنا ان نتغيب اسبوع ونتحمل العقوبة في قرار لم نعرف ماسيحدث لنا.
انهينا الاسبوع وقد عدنا في بداية الاسبوع وهو يوم السبت ونحن نحمل معنا هم تحمل العقوبة وما ستؤول اليه الامور ، وصلنا مع بداية التدريب لم نعرف أين نقف لاننا لم نحفظ اماكننا وتواجدنا فقد كنا ليوم واحد فقط ، فوقفنا مع احد الصفوف وكان حسن الحظ هذه المرة ايضا يحالفنا !!!! حيث عميد المعسكر والجميع يقف بالاستعداد ، فقال « سنخلي المعسكر هذا اليوم» في تلك الفترة كانت هناك الاحداث الساخنة عندما تم غزوالكويت من قبل صدام في الثاني من آب عام 1990 وجاء قرار الامم المتحدة 660 الذي يدين هذا العمل ويطالب حكومة بغداد بالانسحاب من الكويت باسرع وقت ممكن ، كان هناك رفض من قبل المجتمع الدولي لهذ العمل ، فجاء قرار مجلس الامن الدولي برقم 661 القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على العراق.
كانت الولايات المتحدة الامريكية تشن حملة اعلامية على العراق مفادها الحرب على العراق ، فالحرب الاعلامية وصلت أوجها ، لذلك كان العراق يتوقع ان تحصل ضربة جوية على جميع المؤسسات الحيوية.
فجاء قرار اخلاء مخيم التاجي للتدريب على هذا الاساس تحسبا لاي ضربة جوية وبالفعل تم نقلنا بواسطة حافلات الى مركز تدريب مشاة الكوت ، وصلنا ليل السبت وكنا قد تخلصنا من عقوبة الاسبوع الماضي فلم يكن منا الا ان كررنا نفس الامر فمجرد وصولنا لمركز التدريب حتى عدنا الى اهلنا بعد ان اكتشفنا طريق الخروج من المركز من دون ان يلتفت الينا أحد. (يتبع في الحلقة القادمة)