
«مسافة صفر».. شغلت الإعلام المحلي والعالمي وتفاعل معها الناس إلى الحد الأقصى. تلك المرأة الجنوبية حققت بصمودها أمام الدبابة الإسرائيلية «ميركافا» وجنود جيش الاحتلال في بلدة مارون الراس أسطورة، مع كل ما قالته وبتعبيرها بكلمة «قوص»، وما حصدته من تأثير واسع و«ترند» المشاهد، فنالت صورتها إعجاب الملايين، وشكلت في آن عنوان الانتفاضة الشعبية «التحريرية» على مدى اليومين الماضيين، مع كل ما حملته من صور امتزجت فيها دموع الفرح بعذابات الدماء.
ثمة العديد من النسوة اللواتي عشن مرارة العدوان الأخير وما حمله من تدمير وتهجير وقتل، وقمن بخطوات صمودية عدة. وتكفي تلك المشاهد للنسوة اللواتي تقدمن الشباب والأطفال، وسرن إلى جانب جنود الجيش اللبناني في عدة قرى باتجاه الجنود الإسرائيليين. وقد بث الإعلام وتطبيقات التواصل الاجتماعي عشرات المشاهد على هذا النحو، بينها مشاهد الجيش الذي وضع يده على الزناد بمواجهة الجنود الإسرائيليين.
«مسافة صفر».. هي الغاية والحقيقة، التي جعلت من نسوة يخضن غمار تجارب معركة زمنية فاصلة بين الحرية والاحتلال، تدور رحاها على مدى عقود من الزمن وعلى نحو متقطع، لحل «أحجية» عصية وكشف سر «الصفر»، الذي أعطى المجال لفتح الطريق على مجرى زمني جديد وقاد التحرير الجديد.
تجاوزت تلك المرأة الجنوبية بعنادها المقاوم فترة الدقائق الثلاث الأولى، لتعطي صفة «الصفر» بمعناها الطبيعي وإدخالها الوقت ومفارقاته، بتصميم على تحقيق المتوخى نحو استكشاف واقع جديد، وإدراك حقيقة سنوات القهر المفقودة، على ارض جبلت مع دماء ابنائهن. وقالت امرأة ثانية انها تريد ان «يبقى التراب محتضنا لجثة ابنها»، قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار وانتشال العديد من الجثامين.
بلدة مارون الراس كانت الشاهدة الأولى على صور الإثارة للقلق، بعد اقتراب النسوة والمدنيين لمسافة الصفر حد التلاحم مع الجنود الإسرائيليين. وتبعتها مشاهد بثت، واستطاع خلالها الاهالي الصمود، غير آبهين بالرصاص وهدير المسيرات وتحرك الدبابات. ولاضفاء ارادة التحدي على نحو أكبر، قام عناصر من المد البشري في كفركلا، برفع صور الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي اغتالته اسرائيل في 27 سبتمبر الماضي.
ومثلما فعلت المرأة في مارون الراس، فعلت العديد من النسوة، وقمن أمس بخطوات «صمودية»، للتأكيد على التشبث بالارض في الطريق نحو الدخول إلى بقية القرى، التي لم تتحرر من الجيش الاسرائيلي، على رغم عشرات الضحايا في اليوم الأول والجرحى.
والبلدات التي دخلها النسوة والاهالي الأحد هي: كفرحمام، كفرشوبا، حلتا، الخيام، عين عرب، الوزاني، دير سريان، القصير، القنطرة، الطيبة، عدشيت القصير، بني حيان، طلوسة، محيبيب، عيناتا، بنت جبيل، ميس الجبل، جباب العرب، عيتا الشعب، رامية، بيت ليف، أطراف مارون الراس ويارون، شيحين، الزلوطية، أم التوت، البستان، الجبين، يارين، الضهيرة، شمع، البياضة، طير حرفا، علما الشعب، والناقورة.
يوم أمس، وهو الثاني، انطلق خلاله النسوة والأهالي من بلدة ميس الجبل. واظهرت المشاهد الاولى صباحا دخول قافلة عسكرية للجيش وخلفها الاهالي، وبينهم الكثير من النسوة والاطفال، إضافة إلى تلامذة المدارس والجامعات، الذين توقفوا عن تلقي التعليم بعد توقف مدارسهم وجامعاتهم استثنائيا في منطقة الجنوب، ونصبت مجموعات كبيرة من هؤلاء خيما أمام منازلهم وباتت فيها، لعدم ترك البلدات التي تم الدخول اليها، مثل مارون الراس ويارون وعيتا الشعب وسواها من القرى.
النسوة الجنوبيات اللواتي عبرن عن رضاهن على خطواتهن في الاقتراب على مسافة صفر في اليوم الاول، وما لاقوه من تفاعل محلي وعالمي وعلى مستوى وسائل الاعلام وتطبيقات التواصل الاجتماعي، شجعن غيرهن من أبناء بلدات: أطراف كفركلا، عديسة، رب ثلاثين، مركبا، حولا، ميس الجبل، بليدا، عيترون ومروحين، على خوض غمار تلك التجربة على طريق تحرير بلداتهن من الاحتلال الإسرائيلي، وعدم انتظار المهلة الجديدة المعطاة حتى 18 فبراير المقبل بهذا الخصوص، وما تخبئه الأيام في الوقت الذي يكتنفه الكثير من المجهول.