أعربت الحكومة الإندونيسية عن توقعها بأن تحافظ أستراليا وبابوا غينيا الجديدة (PNG) على سيادة واستقلال إندونيسيا، وذلك في أول رد لها على معاهدة الدفاع التاريخية التي أبرمتها الدولتان.
وفي أول تعليق رسمي لإندونيسيا على “معاهدة بوكبك” (Pukpuk Treaty)، التي وُقّعت في كانبيرا يوم الاثنين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإندونيسية فهد نبيل لشبكة “إيه بي سي” (ABC) إن بلاده “تولي اهتمامًا وثيقًا” لتعزيز التعاون الدفاعي بين جارتيها. وأكد نبيل أن إندونيسيا “تؤمن بأن أي تعاون من هذا القبيل يجب أن يسهم في السلام والاستقرار في المنطقة، مع تجنب تصعيد التنافس الجيوسياسي.”
المعاهدة وأزمة بابوا الغربية
تُمثّل “معاهدة بوكبك” أول تحالف جديد لأستراليا منذ أكثر من 70 عامًا، حيث التزمت الدولتان بمواجهة “الخطر المشترك”. وقد أثارت هذه المعاهدة تساؤلات حول النزاع المستمر والتوترات في بابوا الغربية.
تصاعدت حدة الصراع من أجل استقلال بابوا الغربية عن إندونيسيا في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تداعيات دامية، وأصبحت الحدود الإندونيسية-البابوية الغينية نقطة توتر رئيسية. ومع قيام إندونيسيا بتشديد سيطرتها على الحدود ونشر قواتها لقمع الحركة الانفصالية، لجأ العديد من سكان بابوا الغربية النازحين إلى بابوا غينيا الجديدة.
من جانبه، أكد السيد نبيل أن إندونيسيا تحافظ على “تعاون واتصال وتنسيق قوي” مع بابوا غينيا الجديدة لضمان الأمن والنظام على طول الحدود، مشدداً على أن الحكومة الإندونيسية أوضحت توقعها بأن “تحافظ أستراليا وبابوا غينيا الجديدة على سيادة” البلاد. وأضاف: “للتذكير، لطالما أكدت بابوا غينيا الجديدة احترامها لسيادة إندونيسيا ووحدة أراضيها”.
الحدود مصدر قلق
قالت ناتالي سامبهي، وهي خبيرة عسكرية من مركز الأبحاث “فيرف ريسيرش” (Verve Research)، إنها تعتقد أن حكومتي إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة ستسعيان إلى تقليل التوترات الناجمة عن عبور مقاتلي استقلال بابوا الغربية للحدود. ورأت أن “الوضع الراهن سيستمر، ما لم تحدث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يمكن أن تثير موجة من المشاعر المناهضة لإندونيسيا بين المجتمعات الحدودية”.
وعلى الرغم من التزام الاتفاقية الدفاعية الجديدة بمواجهة “الخطر المشترك” في حالة وقوع هجوم مسلح على أي من البلدين، أشارت الدكتورة سامبهي إلى أن هناك مجالاً للتأويل. وأوضحت أنه “بالطبع، قد تنشأ سيناريوهات مستقبلية قد تُجبر فيها أستراليا على الانحياز إلى جانب بابوا غينيا الجديدة”، مشيرة إلى أن أي قرار من هذا القبيل يجب أن “يُوزن في مقابل التاريخ الطويل للعلاقات الدفاعية مع إندونيسيا، والثقة التي بُنيت بجهد جهيد بين البلدين، والعواقب طويلة الأمد لتمزق العلاقات مع جاكرتا”.
لكنها نبهت إلى أن الوجود المادي للقوات الأسترالية بالقرب من الأراضي الإندونيسية قد يثير القلق، خاصة بين أوساط المؤسسة العسكرية الإندونيسية التي “لا تزال تكنّ عدم ثقة تجاه أستراليا بعد استقلال تيمور الشرقية”.
في تصريح سابق، قال رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة، جيمس مارابي، إن “معاهدة بوكبك” لا تجبر أستراليا على مساعدة بلاده في حال نشوب صراع على الحدود الإندونيسية. وأشار مارابي إلى أن بلاده تتمتع “بحوار صحي مع إندونيسيا”، وهو “متأكد 100% من أن إندونيسيا لن تشعر بالإهانة” إزاء التوقيع على المعاهدة، مضيفاً أن حكومته لم تناقش الاتفاقية مع إندونيسيا قبل توقيعها لأن “الإندونيسيين يدركون بوضوح احتياجنا”.
موقف إندونيسيا “الحر والنشط”
ورداً على سؤال حول إمكانية سعي إندونيسيا لاتفاقية مماثلة مع أستراليا أو قوى كبرى أخرى مثل الصين، أكد السيد نبيل على مبدأ إندونيسيا الراسخ في سياستها الخارجية، وهو الدبلوماسية “الحرة والنشطة”. موضحاً: “هذا يعني أننا نتجنب الدخول في اتفاقيات تشبه التحالفات العسكرية أو الدفاعية مع أي دولة”.
في المقابل، رأت الدكتورة سامبهي أنه بينما قد تبدو علاقات إندونيسيا مع الصين قوية، خاصة في البنية التحتية والتجارة، فإن البلاد لا تزال تعتمد على “شركائها التقليديين” مثل الولايات المتحدة وأستراليا للتعاون العسكري والتدريبات المشتركة. وأشارت إلى أن الرئيس المنتخب برابوو “بالرغم من ميله الظاهر نحو الصين في عامه الأول في الرئاسة، فقد كان يعمل على تنمية العلاقات مع المملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والهند وكندا ودول الخليج وغيرها”.
في الختام، شدد السيد نبيل على أن كل دولة تشترك في مسؤولية الحفاظ على الأمن الإقليمي، قائلاً: “نعتقد أن بابوا غينيا الجديدة وأستراليا تدركان هذه المسؤولية أيضاً”. واختتم بالقول إن إندونيسيا “ستواصل الحوار مع كلا البلدين بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك… بما في ذلك في تنفيذ السياسات الدفاعية التي قد تؤثر على المنطقة”.
من جانبها، قالت الدكتورة سامبهي إن المعاهدة بين أستراليا وبابوا غينيا الجديدة قد تعود بالنفع على إندونيسيا من خلال “ضمان جارة أكثر قدرة” تكون “مجهزة بشكل أفضل لمواجهة كل من التهديدات التقليدية والهجينة الناشئة”. ويشمل ذلك التعاون الموسع في مجالات مثل الأمن البحري والمساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث.

