اطلقت شركة هولندية العام الماضي مشروعاً بدا طريفاً وخطيراً في آن واحد. ويهدف هذا المشروع المغامرة الى ارسال مئة رجل وامرأة في رحلة باتجاه واحد للاقامة الدائمة على سطح المريخ.
وقام آلاف الناس من جميع انحاء العالم بتسجيل اسمائهم بعد ان ابدوا رغبتهم بالمشاركة في هذه الرحلة. وقامت لجنة فاحصة باستجواب الراغبين واخضاعهم لفحوصات طبية واختبارات عقلية وتقييم لخبراتهم وثقافتهم واستعداداتهم البدنية. ونتيجة لهذه العملية جرى اختيار الف شخص من عشرات الآلاف ممن سجلوا اسماءهم. ثم اخضع الباقون الى المزيد من الاختبارات والتقييم على اكثر من صعيد وقُلص العدد الى مئة شخص يتوزعون مناصفة بين النساء والرجال. وكانت حصة استراليا ثلاثة اشخاص.
وفي تعليق للمسؤول الطبي عن هذا الفريق اعلن نوربرت كرافت ان اختبار هذه المجموعة لا تضعهم تلقائياً على سلم الصاروخ Mars One الذي سينقلهم الى المريخ. اذ يتوجب عليهم الخضوع للمزيد من التمارين والاختبارات للتأكد من وضعهم الصحي وكفاءاتهم العقلية وقدرتهم على العمل ضمن مجموعة متكاملة ومتناغمة.
وتقدر كلفة الرحلة الاولى التي ستنقل اول دفعة من المسافرين حوالي 6 مليار دولار على ان تليها رحلة ثانية تنقل المزيد من الناس مع المعدات الضرورية بغية اقامة اول مستعمرة بشرية على سطح المريخ قادرة على الاكتفاء الذاتي عن طريق اقامة مزارع اصطناعية مكيفة وقادرة على توفير المواد الغذائية لأول مستعمرة بشرية على «الكوكب الاحمر».
وطرح احد الخبراء الاميركيين محاذير عديدة حول امكانية ان تنتج هذه المزروعات كميات مرتفعة من الاوكسيجين قد تؤدي مع تراكمها الى اختناق سكان المستعمرة. واقترح اضافة معدات لقياس مستوى الاوكسيجين داخل المنشآت والتخلص من الفائض منها. لكنه اشار ان التكنولوجيا لم تتوصل بعد الى صناعة مثل هذه التقنية الصالحة للاستخدام في الفضاء الخارجي.
غير ان الشركة التي تعد لأول رحلة بشرية تعمل على دراسة وتقييم عدد الرحلات الاولية لاقامة المستعمرة وبناء اماكن اقامة للمستوطنين الاوائل، ولضمان ان كل المعدات تعمل حسب الطلب قبل نقل الناس اليها.
بالطبع القيمون على هذا المشروع يقومون مع خبراء متخصصين في كل القطاعات على توفير كامل الشروط لانجاح هذه المستعمرة. ويعتقد الخبراء ان الرحلة الاولى ستنطلق سنة 2018. وستقوم شركة تلفزيون اوروبية بنقل وقائع حياة المواطنين في المستعمرة الاولى نقلاً حياً مباشراً.
قد تبدو هذه المغامرة ضرباً من ضروب الخيال سابقة لأوانها. لكن من الناحية المبدئية كل الرحلات التي قام بها اناس عبر التاريخ كان ينظر اليها انها مغامرة خطرة تخلو من العقلانية لكنها مليئة بالصعوبات والتحديات.
اما الحدث الايجابي الذي نشر امس يتعلق باعلان «ناسا» وكالة الفضاء الاميركية ان التحاليل التي اجراها العلماء في الوكالة على المعلومات والصور التي ارسلتها مركبة Reconnaissance تشير الى تدفق المياه على سطح المريخ كما تبين وجود الاملاح الصخرية مما يؤكد وجود بحار ايضاً. غير ان العلماء لم يتسرعوا بالاستنتاج ان هذه المؤشرات تؤكد صلاحية المريخ لاقامة الانسان عليه. غير ان وجود المياه والثلوج هو مؤشر ايجابي لامكانية الحياة. وامضى العلماء حوالي ثلاث سنوات يدققون في احتمال وجود المياه السائلة.
ويأمل العلماء الآن ارسال معدات اضافية لتحديد اماكن وجود المياه وربما الحصول على عيّنات لتحليلها ومعرفة مركباتها ونوع الجراثيم التي تعيش في داخلها.
حوالي سنة 1863 ووصولاً الى 1905 الّف الكاتب الفرنسي جول فارن Jules Verne مجموعة روايات تعتمد على الخيال العلمي.
واهم رواياته «خمس اسابيع في منطاد» و90 يوماً حول العالم و40 الف قدم تحت الماء (تدور حول الانسان والغواصة واكتشاف البحار» و«رحلة الى القمر»، «رحلة الى مركز الارض و« المدينة العائمة».
روايات جول فارن لم تبق خيالاً اذ تمكّن الانسان بعد اقل من عقود على وفاته من اختراع الغواصة وبدأت عملية اكتشاف اعماق البحار.
والى جانب اعماق الارض بدأت بعد الحرب العالمية الثانية موجة السباق لاكتشاف الفضاء والوصول الى القمر . ومع الخطوات الاولى التي سارها نيل ارمسترونغ على سطح القمر (1967) اعتبر انها الخطوة الاولى للبشرية لاكتشاف الفضاء الخارجي والكواكب في النظام الشمسي. وبعد القمر جاء دور المريخ الذي يثير المزيد من الاهتمام العلمي نظراً للاكتشافات الاخيرة التي تشير الى احتمال الحياة عليه.
ويعتقد العلماء ان بمقدورهم خلق طبقة هوائية مماثلة للطبقة التي تحيط بالكرة الارضية بواسطة تفجير قنابل مناخية كالتي يجري الاستفادة منها لاحداث الامطار في اماكن محددة على الارض الآن.
كما يعتقد العلماء انه في حال تمكنوا من تحقيق ذلك سوف يشهد المريخ تبدلات مناخية تماشي الاجواء القابلة للحياة. وسيشهد المريخ مجدداً تساقط الامطار والرعد واعادة ترطيب ارضه لانبات المزروعات وتغيير المكونات الهوائية لتصبح صالحة للحياة عليه للانسان والحيوان والنبات على حدّ السواء.
وما تقوم به الشركة الهولندية عبر رحلة Mars One وما يشوب هذه المبادرة من فجوات، اعتقد انها تشبه الى حد بعيد روايات جول فورن: «من الارض الى القمر» التي كانت آنذاك ضرباً من الخيال ولزم اقل من مئة عام لتصبح حقيقة وعملاً روتينياً.
فمع الاكتشافات الاخيرة لناسا حول وجود المياه، اي الحياة، يبقى المطلوب الآن تحسين ظروف وشروط هذه الحياة لتصبح صالحة للعيش دون اقنعة واوكسيجين صناعي…
من يدري، ربما شاخت الارض، واصبح من الضروري البحث عن كوكب جديد لتستمر البشرية وتنمو وتكتشف المزيد من الكواكب الصالحة للحياة.
انها الخطوة الاولى للبشرية.
pierre@eltelegraph.com
هل يصبح المريخ بديلاً عن الارض؟؟
Related Posts
وباء كورونا والحرب العالمية الثالثة