بقلم / هاني الترك OAM

أصدقائي القرّاء

هذه القصة الحزينة من واقع الجالية العربية تناقلتها وسائل الإعلام الاسترالي.. قرأتها بحزن عميق وغضب فظيع.. وأنقلها لكم بألم عاصف وسخط عارم.. فرغم أننا كجالية عربية نستقر في استراليا إلا أن القليل منّا لم يستوعب بعد أنه انتهى عصر عبودية المرأة منذ زمن بعيد.. ولا تزال عقلية هذه القلة القليلة من أبناء الجالية تفكر بعقلية أيام الجاهلية.. ولا تدرك أننا في عصر أساسه إعطاء المواطن حقوقه وحرياته ضمن الأطر الاجتماعية والقانونية والإنسانية العالمية.. لا تفرّق على سبيل المثال بين المواطن الاسترالي والمواطن اللبناني.. لأن الشعوب تؤلف وحدة إنسانية قضاياها واحدة.. وهذه قضية استعباد فتاة استرالية لبنانية بين استراليا ولبنان يندى لها الجبين خجلاً.
إنها قصة فتاة استرالية لبنانية شجاعة بطلة.. تعذبت من فكر رجعي إلى عصر العبودية.. وأحط مما يسمى في الماضي الرقيق الأبيض.
وإليكم القصة بلسان السيرجنت تارا شابمان التي تابعت المأساة منذ بدايتها.. وساعدت الفتاة الشجاعة على الهرب من الجحيم.. وكما وردت في صحيفة الدايلي تلغراف والصنداي تلغراف وتعليقي عليها:
أقلّت هذه الفتاة البريئة البالغة من العمر 14 عاماً وهي ترتدي الحجاب سيارة جار العائلة الذي يبلغ عمره 21 عاماً.. هاجت غريزته الجنسية الحيوانية فأراد اغتصاب الفتاة.. ناشدته بكل براءة الاطفال بعدم اقتراف الفعل المشين السيء وقاومته ولكنه تجاهل توسلها وكأنه يرتطم بحائط من الحجارة.. قاومته بكل قوة ولكنه مضى قدماً واغتصبها.
منذ ذلك الوقت ذهبت الفتاة للطبيب لمعرفة فيما إذا كانت حاملاً، فاستدعت المدرسة الشرطة.. وفي مركز الشرطة وقفت الفتاة البالغة من العمر 14 عاماً مع والديها اللذين كانا يعتقدان أن سبب الجريمة هو ابنتهما التي أقلت السيارة مع الجار.. مع أن سيرجنت شابمان قالت أن الخطأ ليس على الفتاة.
رُفعت القضية إلى المحكمة الإقليمية إلا أنها أُسقطت تهمة الاغتصاب استنداداً إلى أنه كان زواجاً مدبراً حتى لا توقع الفتاة والديها في مشكلة قانونية.
وبموجب ثقافة الوالدين والعائلة أن ابنتهم ليست عذراء ومن ثمّ لن تتمكن من الزواج في استراليا بسبب عدم عذريتها.. قالت السيرجنت شابمان للفتاة أنها الشرطية الخاصة لها وسوف تساعدها ويمكنها الاتصال بها في أي وقت تشاء.
هنا انتزعت أم الفتاة هاتفها النقال منها مما اضطر السيرجنت شابمان إلى الاتصال بالفتاة من خلال أمها.. تمكنت الفتاة من الهرب والوصول إلى مركز الشرطة لتعلمها أن والديها سوف يرسلانها إلى لبنان للزواج القسري من ابن عمها.
وفي شهر شباط فبراير عام 2018 هربت الفتاة من المنزل مرتين للنوم في المنتزه العام في سيدني.. إلى أن وجد لها أصدقاؤها مكاناً في دائرة الخدمات المجتمعية.. وسكنت بعد ذلك مع صديقة لها.. إلا أن والدها قدّم نقوداً «رشوة» إلى صديقتها لإحضارها إلى منزل العائلة.
بعد يومين أقلعت الطائرة متجهة إلى لبنان وعلى متنها الفتاة مع شقيقتها البالغة من العمر 17 عاماً.. أبلغت الشرطة السيرجنت شابمان ونظمت لقاءها في دبي إلا أن الفتاة لم تتمكن من الخروج من مكان الانتظار وأقلعت الطائرة إلي بيروت.
جلست الفتاة مع ابن عمها (العريس) وكان يتحدث بعربية لا تفهم منها إلا القليل.. أحضر لها باقة من الزهور للتأثير عليها بطريقة رومانسية ولكنها رفضت.. طلب منها عمها (والد العريس) بألا تكون حمقاء وترضى بالزواج من ابنه.. لكنها لم تقتنع.
وفي اليوم التالي طلب منها عمها أن تبيت معه في غرفة نومه،، حاول تقبيلها فشاحت برأسها عنه.. أجبرها على تناول عقاقير مخدرة حتى شعرت بأنها مشلولة الجسد مع أنها واعية بالعقل.. إذ كان يغتصبها كل ليلة.. وكانت تنزف دماً وتتألم من الوجع.. وقال لها إذا أخبرت أي شخص فسوف اقتلك.
أخبرت الفتاة شقيقتها بما حدث مع عمها وتمكنتا من الهرب إلى بيت عمتها وقصت عليها ما حدث من عمها.. وأعطتها العقاقير المخدرة التي كان يستعملها عمها.. ثم فحصها طبيب مما أدى إلى اعتقال عمها وإيداعه خلف القضبان الحديدية.
اتصلت الفتاة بأمها في سيدني التي اتصلت بدورها بالسيرجنت شابمان.. حتى تمكنت الشرطة الاسترالية من ترتيب عودتها بالطائرة مع شقيقتها إلى سيدني بتاريخ 17 أبريل / نيسان من العام الحالي.. قابلها والدها في المطار وقادها إلى الطبيب لمعرفة فيما إذا كانت عذراء.
حاول والدها تزويجها من رجل في سيدني وأرسل نقودا لمحامي شقيقه في لبنان للدفاع عنه.. رأت شابمان «الخطيبين السعيدين» على موقع التواصل الاجتماعي.. غير أنه تم إلغاء الزواج بعد أن أصرت الفتاة على عدم ارتداء الحجاب.
أضافت السرجنت شابمان أنها فخورة بالفتاة الشجاعة التي تدرس الآن في معهد تايف.. حيث تبيت أحياناً في أحضان عائلتها.. ووالدتها تكره عم الفتاة المجرم.. في حين أن والدها يصدق قولها نوعاً ما.
واختتمت السيرجنت قضية الفتاة بأنها كسرت قلبها.. وهي فتاة محبوبة وشجاعة لم يساعدها أحد وشقت طريقها إلى المجتمع.

افتتاحية الدايلي تلغراف
تقول صحيفة الدايلي لتغراف في افتتاحية لها حول القضية الحزينة المشينة أن خطأ الذين يتعاطفون مع حساسية ثقافة الأقليات هو تحوف من توجيه التهم إليهم.. فإن الاعتقاد الخاطئ هو أن أي ثقافة ثابتة ودائمة وعدم المقدرة على التغيير والتعامل مع نقدها.
إذا كانت الثقافات ثابتة وغير متغيرة لما تمكنت المرأة في استراليا من دخول القوى العاملة.. فكانت الثقافة المسيطرة السائدة هي ثقافة الرجل ولكن الزمن تغير.
لا يجب استخدام الحساسية الثقافية لتجنب التعامل مع فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً تم تهريبها إلى بيروت.. وإنقاذها من زواج مدبر ومن سطوة عمها المجرم الذي هددها بالقتل.
إن الحساسية الثقافية لعنة ولا يمكن تبريرها إذا كان التعامل فيها مع شخص مثل هذه الفتاة.. فلا ينبغي على الثقافة أن تلغي الحضارة.. فهناك بعض الثقافات التي يجب أن تتغير.

آراء الاستراليين
في اليوم التالي لنشر القصة المشينة تهافت الاستراليون للتعليق عليها.. اخترنا من بينها رسالة موري التي تقول انه من المخزي إجبار فتاة صغيرة السن على الزواج ضد إرادتها في دولة أجنبية «لبنان».. وموقفها مع شقيقتها ضد عائلتها هو عمل بطولي.. وهنا يبرز التساؤل لماذا لم توجه التهمة الجنائية ضد والديها.. مع العلم أن الفتاة لا تريد أن تعرضهما للمتاعب القانونية.. ولكن هذا نوع من العنف المنزلي يمكن توجيه التهم الجنائية في حق الشخص العدواني حتى ولو كانت الضحية لا تريد أن تمضي قدما بتجريم هذا الشخص العدواني.. يجب حماية الفتيات من هذه الأعمال المرعبة وغير القانونية.
وتعليق آخر يقول أنه فيما تنعم الفتيات الاستراليات بالموسيقى في هواتفهن ونحن نقرأ عن هذه القصة المرعبة في إرسال الفتاة إلى لبنان.. فإن تعامل والدايها معها صادم للنفس.. في الوقت الذي كانت فيه الفتاة في حاجة إلى الحنان والدفء والدعم.. فوجدت نفسها في حالة من الذعر والعذاب.. والشكر لعمة الفتاة والسيرجنت شابمان وجهاز الشرطة الفيدرالي لإحضار الفتاة ثانيةً إلى استراليا لنعرف قصتها المخيفة.. ونأمل أن تعيش الفتاة الآن حياة هادئة سالمة تنعم بالموسيقى في الهاتف النقال وترتدي الملابس الملائمة للمناسبات كما يحلو لها مثل أي فتاة استرالية.

نقد محرر الشؤون الاسترالية هاني الترك OAM للشرطة

طالبت الكاتبة المعروفة بيتا غريدلين بتكريم السيرجنت تارا شابمان وجهاز الشرطة لتعاملمها في حالات مستعصية مثل حالة الفتاة التي كسرت قلوبنا وتقديم وسام لشابمان.
والرأي عندي أن شابمان تستحق التقدير وكذلك جهاز الشرطة في قيامهما بمساعدة الفتاة المسكينة.. ولكن هناك ثلاثة انتقادات أوجهها للشرطة كالآتي:
< السؤال هنا لماذا تم إسقاط التهمة الجنائية ضد الجار على الفتاة بأنها اعتداء جنسي على قاصر؟
< لماذا تم تحويل القضية من زواج قسري تحقق فيه الشرطة إلى زواج مدبر؟.. فقد حققت الشرطة الفيدرالية في 61 حالة زواج قسري العام الماضي.. في حين كان العدد 11 حالة منذ أربع سنوات.
< تقول شابمان أنه لا يمكن فحص الفتاة طبياً لمعرفة ما إذا كانت عذراء ومدى اعتداء الجار عليها.
هذه القصة الحزينة عرفتها من وسائل الإعلام الاسترالي لعلنا نستيقظ ونتعلم منها وأنه يجب التأقلم مع الثقافة الاسترالية مع عدم تنازلنا عن الجيد من ثقافاتنا.