بعد وقوع مجزرة «كرايست تشيرش» في نيوزيلندا وسقوط 50 قتيلا من المصلين الأبرياء داخل مسجدين لم يتردد أي من المسؤولين الدينيين أو السياسيين إن في استراليا أو نيوزيلاندا والعالم من التعبير عن إدانتهم لهذا العمل الإرهابي الذي نفذه شخص متطرف عرقياً، تدور حوله الشبهات كما طُرحت التساؤلات حول نواياه البعيدة وحول غياب أي دور لرجال الشرطة في التدخل، وإمكانية وجود عناصر أخرى مساندة قد تكون شاركت في هذا الهجوم. بالطبع الأيام سوف تسلط الأضواء على العديد من جوانب الهجوم الغامضة، خاصة حول الدوافع الخفية الكامنة وراءها…
وفي مقال مطول نشرته في 20 آذار / مارس تحت عنوان: «مجزرة كرايست تشيرش» وصراع الديانات،حاولتُ أن أتطرق لبعض الجوانب الغامضة وأعربتُ عن تخوفي ان تستغل خلايا الشر حول العالم هذه الحادثة وتقع عمليات ثأر متبادلة، ويدخل العالم في مرحلة جديدة من «صراع الأديان والثقافات».
– ردود فعل متفاوتة:
اما ردود فعل المؤسسات الدينية المسيحية فكانت عفوية وصادقة، إذ أدانت جميع الكنائس «المجزرة» وقام رجال الدين، خاصة الشرق أوسطيون بزيارة مسجد الإمام علي في لاكمبا، ودعوا إلى نبذ العنف، مقدمين تعازيهم وصلواتهم عن أنفس الضحايا.
كذلك دعا مطران سيدني للكاثوليك إلى يوم صلاة مشترك بين جميع الأديان والمذاهب على هذه النية، في مبادرة تعاضد وتعاطف وتوحيد المواقف لنبذ العنف والتطرف.
كذلك فعل معظم رجال السياسة في أستراليا عندما عبروا عن إدانتهم وحزنهم حيال هذه المجزرة الغريبة عن روح الألفة والتعددية وقبول الآخر. ونقلت وسائل الإعلام الأسترالية وقائع صلاة الجمعة التي أقيمت في نيوزيلاندا عن أرواح الضحايا.
وبالغ بعض السياسيين والإعلاميين في التعبير عن مشاعرهم، وكأن تاريخ الإرهاب بدأ في مدينة «كرايست تشيرش» أو أن العالم لم يشهد موجات من الهجومات الانتحارية وأعمال الإبادة التي نفذتها مجموعات إسلامية متطرفة في اكثر من بلد.
بالواقع لم يمض أيام على مجزرة نيوزيلاندا حتى بدأت عمليات القتل الجماعي في نيجيريا، ونفذت مجموعة «بوكو حرام» مجازر عديدة ضد المسيحيين في شمال البلاد، فجرى قتل وحرق مئاك المسيحيين على مرآى من سكان البلاد والعالم.
وانتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي صور الدمار الذي لحق بالكنائس وجثث المسيحيين الذين قتلوا أو أحرقوا دون أية مقاومة.
وخلال احد الفصح المجيد تعرض عدد من الكنائس في سيرلانكا لتفجيرات إرهابية منظمة، كما جرى تفجير فندقين يئمهما أجانب وكانت النتيجة سقوط حوالي 300 قتيل و500 جريح.
اللافت انه لم تصدر أية إدانة لهذه التفجيرات من قبل القيادات الإسلامية في أستراليا او نيوزيلاندا ولم يتعامل المسلمون في أستراليا مع هذه التفجيرات الارهابية بنفس مستوى التعاطف والرفض أو الاستنكار كما فعل المسيحيون إبان مجزرة «كرايست تشيرش». ولست ادري كيف يمكن تفسير هذا الصمت من قبل القيادات الإسلامية؟ أهو تردد أو خوف، أم رضا وشماتة او إستعلاء ومحاولة رد الكيل كيلين، كما علق أحدهم على وسائل التواصل الإجتماعي. أم أن السكوت هو مؤشر على جهل بعض القيادات الإسلامية لخطورة هذه المرحلة، وعدم معرفتهم أن المطلوب هو إشعال حرب اهلية بين المسلمين والعالم المسيحي والقضاء على الاثنين معاً.
في أستراليا، لم نسمع سوى الإمام محمد توحيدي المثير للجدل بمواقفه وآرائه، وحده أدان صراحة تفجيرات سيرلانكا وانتقد الإرهاب الإسلامي بشكل واضح ومباشر، أما المذيع المعروف على الـ ABC وليد علي الذي ذرف الدموع على ضحايا مجزرة نيوزيلندا أصابه الجمود ورُبط لسانه بالكامل عندما وقعت مجازر سيرلانكا.
بالمقابل لم تتردد داعش من تبني هذه التفجيرات وادعت أنها رد على مجزرة «كرايست تشيرش».
بينما صمت الإعلام الأسترالي الملحد واكتفى بالقول أن أستراليان قتلا خلال التفجيرات الإرهابية.
وحذر مسؤولون من احتمال وقوع المزيد من العمليات الإرهابية داعين الأستراليين إلى عدم السفر إلى سريلانكا كما ذكرت وزيرة الخارجية ماريسا باين.
غير أن بعض القادة المسلمين امتعضوا من تعليق رئيس الوزراء سكوت موريسون انه يتوجب على القادة المسلمين الالتزام بمسؤولياتهم لمواجهة الايديولوجيات الخطيرة والمتطرفه واعتبروا أن هذا الرأي يحمل إساءة إلى المسلمين. ورد البعض متهمين السي آي إيه (CIA) والموساد اللذين يغذيان التطرف الإسلامي، لغاية في نفس يعقوب.
وحده، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد عبَّر عن رأيه صراحةً حول التفجيرات التي وقعت في سريلانكا قائلاً: «ارهابي من يغدر بالناس في دور العبادة،
إرهابي من يشيع الخوف عند المصلين،
إرهابي من يريد ان يشعل حربا دينية بين البشر …»
– من يريد ان يشعل حرباً دينيةً؟؟
تذكر الويكيبيديا أن البرت بايك (١٨٠٩ – ١٨٩١) كان مدعياً عاماً في الولايات المتحدة ونورانياً ورئيس المحافل في امريكا كتب منذ ذلك التاريخ عن 3 حروب عالمية.
– الحرب الأولى: يجب احداثها من أجل السماح للنورانيين (Illuminati) بالإطاحة بسلطة القياصرة في روسيا وجعل هذا البلد حصناً للشيوعية الإلحادية.
فيجري استخدام الإمبراطوريتين البريطانية والألمانية لإدارة هذه الحرب واثارتها، على أن يتم في آخر المطاف استخدام الشيوعية من أجل تدمير الحكومات الأخرى ووإضعاف الأديان.
– أما الحرب العالمية الثانية يقول بايك: سوف نشعلها من خلال الاختلافات العقائدية بين الفاشية والصهيونية السياسية. (لاحظ استخدام كلمة صهيونية للمرة الأولى في التاريخ وحتى قبل تأسيسها عام 1860 في مؤتمر بال). ويجري خلال هذه الحرب تدمير النازية لتكون الصهيونية السياسية قوية بما يكفي لإقامة دولة إسرائيل، ذات السيادة في فلسطين. ونتيجة لهذه الحرب تصبح الشيوعية الأممية قوية بما فيه الكفاية من أجل تحقيق التوازن مع المسيحية، والتي سيتم ضبطها (الحرب الباردة)وتقييدها حتى وقوع كارثة اجتماعية جديدة.
– الحرب العالمية الثالثة يجب تأجيجها من خلال الاستفادة من الخلافات التي يسببها عملاء «النورانيين» بين الصهيونية السياسية وزعماء العالم الإسلامي.
ويجب أن تدار هذه الحرب بطريقة تجعل الإسلام والصهيونية السياسية يدمر كل منهما الآخر.
ويجري خلال هذا النزاع تقييد الأمم الأخرى المنقسمة فيما بينها حول هذه القضية.
وسنعمل على نشر الاقتتال إلى حد الانهاك المادي والأخلاقي والروحي والاقتصادي…
ونقوم عندئذ بإطلاق العنان للعدميين (Nihilists) والملحدين. وسنفتعل كارثة اجتماعية هائلة ستظهر كل الرعب لجميع الأمم، والإلحاد المطلق و الوحشي (الذي يخلو من الرحمة) ولخلق الاضطرابات الأكثر دموية.
ويقوم عندئذ المواطنون بالدفاع عن انفسهم ضد الأقلية العالمية من الثوار ومدمري الحضارات.
فتصبح الشعوب في تلك اللحظة دون أي توجه خلقي أو إيماني، ويتخلون عن المثل العليا و العقائد الإيمانية ويقبلوا مذهب «الشيطان-لوسيفر» الذي سيظهر أخيرا للرأي العام.
وسينتج عن ذلك حركات تدميرية للمسيحية والإسلام والإلحاد، بعد أن يتهم هؤلاء بافتعال الكوارث على البشرية، فيعاقبوا بالإبادة الكاملة.
-الحؤول دون وقوع حرب عالمية ثالثة:
وزير الخارجية الأميركي السابق ومهندس سياسة الشرق الاوسط، هنري كسنجر، أعلن أكثر من مرة أننا الآن في مطلع الحرب العالمية الثالثة وإن الغبي وحده هو من ينكر ذلك.
فهل البشرية هي قادرة على تغيير المخططات المرسومه لدمار العالم، أم أنه جرى الإحكام بشدة على القيادات السياسية وعلى الاقتصاد العالمي، كما جرى تسليح معظم الدول، بانتظار حلول ساعة الصفر؟
في تعليق له حول قوة الصين الحالية علق كيسنجر قائلا: لقد سمحنا أن تصبح الصين دولة عظمى.
فإن صح هذا الادعاء، يمكن القول أنه سمح أن تمتلك الباكستان «القنبلة الذرية»، وجرى تشجيع الهند على الاقتدا بها، كما سمح لإيران ان تنخرط في تطوير الطاقة النووية، بإشراف دولي. ورفع حظر تسليح الدول العربية التي انفقت المليارات على التسلح. وجرى دعم تركيا بالأسلحة المتطورة لكي تشعر أنها قادرة على استعادة دورها السابق، ايام الحكم العثماني الذي سيطر على بلدان الشرق الاوسط واقتحم العديد من الدول الأوروبية.
من ينظر عن بعد، يرى بوضوح انه منذ عهد اوباما يجري اليوم تسليح الدول الاسلامية دون قيد او شرط.
ومقابل عمليات التسليح، جرى طرح مسألة الخلافة الإسلامية ويروج أئمة ومشايخ لفكرة فرض الشريعة واستبدال الأنظمة الديمقراطية بشرع الله. وذهب البعض إلى حد توزيع المغانم والسبايا، في حال حكم المسلمون العالم الغربي وفرض شرائعهم «الإلهية» على العباد من غير المسلمين.
ويستفيد الإعلام العالمي من حالة التطرف هذه ومن أشرطة الفيديو المصورة التي توثق أعمال الذبح باسم الدين وبيع الغنائم والمحارم وتدمير الآثار و أعمال التصفيات العرقية والدينية ليكرسوا حالة من القلق والكراهيه والحذر في نفوس الأوروبيين وغير المسلمين حول العالم.
– انقسام العالم:
يوما بعد يوم نرى العالم ينقسم إلى عالمين إسلامي ومسيحي «كافر». للأسف ان صمت القادة المسلمين حول العالم حيال الأعمال الارهابية يكرس مشاعر الخوف والكراهية لدى الغرب.
فإن أراد المسلمون وقف هذه الخطة عليهم خلق قيادة جديدة قادرة على تحدي المخاطر والمفاهيم السائدة، تصرخ بأعلى الصوت: لا للإرهاب ولا لقتل غير المسلمين.
كما يجب على المسلمين المتنورين إعادة النظر في الطروحات التكفيرية والعمل بحزم على إيجاد إسلام معقول يقبل الآخرين ويتعامل بإيجابية مع اختلافاتهم العقائدية أو الدينية. بشكل آخر، يجب على المسلمين في العالم الغربي أن يكونوا مواطنين صالحين ينتمون إلى البلدان التي يعيشون فيها، ويتخلون عن مشاريع أسلمة العالم، لأن الله لم يشأ أن يخلق الناس «أمة واحدة».
وما يقال عن المسلمين، يقال أيضاً عن يهود العالم وعن المسيحيين وغيرهم.
المشكلة العظمى اليوم أنه يجرى استغلال تاريخ الأمم وماضيها المجيد أو المؤلم لنشر روح الاستقواء. فتحول العالم إلى مجموعة دول مسلحة، طامحة بالتوسع والاستقواء، ساعية إلى التمدد على حساب الدول المستضعفة المجاورة.
وهذا ينطبق علي كوريا الشمالية والصين واليابان، وإيران وتركيا وروسيا، والولايات المتحدة، وأوروبا وإسرائيل وغيرها…
ربما يتوجب على الدول أن تتخلى عن مشاريع التوسع وتتوقف عن اللجوء إلي التسليح الفائض. الأفضل أن تلجأ الأنظمة إلى استثمار خيراتها داخل بلادها بغية محو الأمية، وخلق فرص عمل لجميع المواطنين، والعمل على مكافحة الفقر والعوز، والتخلي عن مشاريع التوسع وتدعيم الحياة الديموقراطية وتوفير الضمانات للمواطنين.
وعلى الدول العظمى أن تتلاقى معاً لنشر السلام في العالم والتعاون معاً من أجل خير البشرية، والكف عن مساعي السيطرة والتحكم بمصير الدول والشعوب.
كلما زاد الإلحاد في العالم، ارتفعت حدة الكراهية بين الناس. لأن النظرة المادية إلى الحياة تفقدها طابعها الأخلاقي الإلهي وتبيح بالتالي أعمال القتل.
لا يطلب من أحد أن يحارب من أجل الله وليس مسموحاً أن يقتل إنسان آخر باسم الدين، وإلا فنحن سائرون لا محال، نحو صراع الأديان.
الصرخة التي أطلقها أمس أعضاء اللقاء المسيحي الإسلامي في استراليا من دار المطرانية المارونية في سيدني، والتي دعا أعضاؤها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي واستراليا إلى تجفيف منابع تمويل وتسليح القوى التكفيرية تعتبر خطوة متقدمة في لقاء وتعاون الأديان على شجب ومناهضة الإرهاب.
على أمل أن تتوسع هذه الظاهرة وتصبح شمولية الطابع في شجب الإرهاب ومكافحته دون تردد أو خجل، لأن حياة الأبرياء هي أهم بكثير من الشعائر والمباديء التي ان افتقدت الرحمة والإنسانية تصبح عامل موت، لا حياة فيها.