بقلم بيار سمعان

لا تزال الاهداف البعيدة غير واضحة بالنسبة لما يجرى في سوريا والعراق ومنطقة الشرق الاوسط بأسره رغم الآراء التي تطرح حول احتمال اعادة تقسيم المنطقة على اسس دينية ومذهبية وعرقية قد تمتد الى اكثر من بلد.
فبعد الحديث عن تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات يجري الكلام عن اقامة ثلاثة او اربعة اخرى على الارض السورية، وربما يعاد تقسيم منطقة الشرق الاوسط بكاملها من الفرات الى النيل ومروراً بالخليج العربي…
وبعد ان احكمت الولايات المتحدة قبضتها على دول الشرق الاوسط منذ السبعينات، يبدو ان النفوذ الامريكي هو على تراجع مع اعتماد الرئيس الامريكي أوباما سياسة عدم الانخراط المباشر بالصراع الدائر هناك بل اعتماد على وكلاء للقيام بالمهام العسكرية كقوات بديلة.
واستغل الرئيس الروسي فشل الولايات الولايات المتحدة، او هكذا يبدو، ليعيد تموضعه ويعزز وجوده العسكري في الداخل السوري. وليس واضحاً ان كان الدور الروسي هو مؤشر ضعف وفوضى في السياسة الامريكية، ام انه سُمح لروسيا التدخل في المنطقة بغية استنزافها او لتقوم بالمهام الصعبة التي قرر اوباما عدم الانخراط بها، عملاً بتعهداته السابقة «ان الجيوش الامريكية لن تتدخل مباشرة في اي نزاع عسكري في الخارج…».
ويبدو جلياً ان الحرب الدائرة هي بالواقع حرب الصغار بالنيابة عن الكبار والقوى العظمى. غير ان التدخل العسكري الروسي قد اوصل النزاع الى مستويات متقدمة واخراج المعادلة عن مسارها المرسوم.
وبدأ المراقبون يتساءلون حول حقيقة دور قوات الائتلاف في محاربة داعش وانكشاف هذا الدور مع ظهور الضربات المحكمة التي يوجهها الطيران الروسي للمواقع التي تهدد استمرارية نظام بشار الاسد وما يرمز اليه من استمرار للوجود العسكري الروسي والقواعد الروسية على البحر الابيض المتوسط، وتستهدف الطائرات الروسية القوى المعارضة المواجهة لدويلة بشار الاسد بينما لم تتمكن طائرات الائتلاف التي تنفذ طلعات جوية يومية منذ ما يزيد على عام من احراز اي تقدم نحو القضاء على داعش.
ويبدو ان التدخل الجوي للحلفاء يسعى الى رسم حدود دولة الاسلام ووضع حد لتقدم قواتها الى مناطق جديدة لا يسمح لها دخولها او ضمها الى دولة الخلافة.
لكن المفاجأة الميدانية على الصعيد العسكري هو حصول قوات داعش مؤخراً على اسلحة حديثة ومتطورة تستخدم ضد الطيران الروسي وتحول دون تهديده لوجود هذه الدولة.
وتأكدت صحة هذه الادعاءات بعد ان اسقطت طائرتان روسيتان مدنيتان احدها في سيناء قتل فيها 224 شخصاً، معظمهم من السواح الروس ومحاولة اسقاط طائرة بريطانية بواسطة صاروخ ارض جو في المكان عينه ورغم مساعي روسيا لعدم الترويج ان الطائرة اسقطت من قبل عناصر داعشية، قام خبراء اوروبيون بالتأكيد ان اسقاط الطائرة كان عملاً ارهابياً وجرى بواسطة التفجير من الداخل.
النظر الى تطور الاحداث يشير الى اتساع رقعة الصراع وانتقال الاعمال العسكرية الى مستويات جديدة ومتقدمة. وانطلاقاً من الفرضية الداعشية ان ارض الاسلام كلها هي موطن للخلافة ويجب اقامة «المملكة الاسلامية» عليها، وبالتالي هي مفتوحة امام كل الخيارات الجهادية والاعمال العسكرية لتحقيق هذه الاهداف، يمكن القول ان اسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء يأتي في سياق هذه المفاهيم ويثبت حقيقة اخرى ان خلايا مؤيدة لداعش يمكن تحريكها عند الطلب.
ويستنتج ان النزاع العسكري لم يعد محصوراً في بلاد الشام وان اقحام روسيا في النزاع العسكري قد يطول وينقل النزاع المسلح الى مستويات لم تشهد مثلها المنطقة.
وقد هللت قوات داعش باسقاط الطائرتين الروسيتين متوعدة بالمزيد خاصة ان داعش يعتبر الجميع اخصاماً له طالما لا يشاركونه الطروحات العقائدية، وبالتالي يصبح اسقاط الطائرات المدنية امراً مقبولاً ومشروعاً، خاصة ان داعش لا تعترف بحقوق الانسان والحقوق المدنية وحماية الابرياء…فالكل اعداء بنظر دولة الاسلام.
ويبدو ان روسيا كرد فعل على استهداف طائراتها المدنية اوعزت الى السواح الروس ضرورة العودة الى بلادهم كتدبير وقائي، فروسيا المنهمكة في الاعمال العسكرية لا تريد ضعضعة قواها لتوفير الحماية للمدنيين.
اما الامر الثاني والاخطر فهو تهديد روسيا باستخدام القنابل النووية للقضاء على داعش ويشاع انها حسمت امرها بالنسبة الى تهديدات داعش وانعكاساتها على علاقة الشيشان بروسيا، كون العديد من مقاتلي داعش هم من الشيشان. فقد كشف موقع «لايف ليك» المتخصص بالشؤون العسكرية ان الكرملين يستعد لاستخدام السلاح النووي على مواقع يسيطر عليها تنظيم دولة الاسلام.
وعلم ان روسيا بدأت بتحريك وحدات تكتيكية نووية، كما تم استدعاء الجيش الروسي لإجلاء المواطنين الروس من النقاط الساخنة. وطلبت السلطات من بعض المدنيين غير الاساسيين مغادرة سوريا والعراق ودول الخليج وبعض الدول الاخرى.
وعقد مسؤولون روس اجتماعات مع مسؤولين في الحلف الاطلسي جرى خلال تأكيد ضمانة الحلف ان الاسلحة النووية ليست للاستعمال في جورجيا او اوكرانيا.
وحذر مسؤولون روس الحكومة السورية وحكومات اخرى في المنطقة استبعاد المدنيين في مناطق النزاع في الداخل السوري. كما عقد اجتماع في ايران بين روسيا وحلفائها (ايران والصين) بعد اسقاط الطائرة.
فان صحَّت هذه التكهنات تكون المنطقة قد دخلت في مستويات متقدمة وخطيرة، اذ يُخشى في حال استخدمت روسيا السلاح النووي، سقوط الآلاف من الضحايا الأبرياء ودخول المنطقة في حلقة خطيرة من النزاع النووي.