مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، تُطرح تساؤلات ملحة حول موقف أستراليا وتبعات تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن. ففي ظل مناقشات أمريكية داخلية حول احتمال توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، يحق للأستراليين القلق: هل أصبحنا رهائن لقرارات قادة قد توصف بالاندفاع أو الغموض؟ وهل فقدنا القدرة على حماية سيادتنا؟

وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مارلس، صرّح في مقابلة مع برنامج 7.30 بأن “أستراليا ليست طرفًا في هذا الصراع”، لكنه تهرّب من الرد الواضح عندما سُئل عن إمكانية استخدام الولايات المتحدة للقواعد العسكرية في شمال أستراليا لشن عمليات عسكرية.

ورغم أنه أشار إلى أن هناك نظام “معرفة كاملة وتوافق” مع واشنطن بشأن أي عمليات من الأراضي الأسترالية، إلا أن مصطلح “التوافق” لا يرقى إلى “الموافقة” أو “الإذن”، مما يفتح الباب أمام تنفيذ عمليات أمريكية دون إذن مسبق، وربما الاكتفاء بإبلاغ لاحق.

جغرافيا أستراليا تحت المجهر العسكري

مارلس شدد أيضًا في تصريحات حديثة على أن موقع أستراليا الجغرافي بات أكثر أهمية من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، في سياق صراع القوى الكبرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأوضح أن التهديد الحقيقي لأستراليا لا يكمن في غزو أراضيها، بل في احتمال قطع طرق الإمدادات البحرية، نظرًا لاعتماد البلاد الكبير على استيراد الوقود وتصدير الموارد.

وقال:

“مخاطرنا تكمن في تعطيل تلك الطرق البحرية… وفي الضغوط التي قد تنجم عن ذلك”.

بين السيادة والالتزام الاستراتيجي

تستند السياسة الدفاعية الأسترالية إلى شراكتها الطويلة مع الولايات المتحدة، والتي تتجسد من خلال تحالفات مثل أوكوس (AUKUS). لكن تساؤلات كثيرة تُطرح اليوم: إلى أي مدى يمكن لأستراليا أن ترفض طلبًا أمريكيًا للمشاركة أو تسهيل العمليات العسكرية؟ وهل نملك حق الاعتراض الفعلي أم أن التوافق يصبح واجبًا غير معلن؟

ألبانيزي و”مطاردة” ترامب

رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، حاول دون جدوى لقاء الرئيس الأمريكي السابق (والمرشح الحالي) دونالد ترامب خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة في كندا، في ظل مراجعة أمريكية جارية لاتفاق “أوكوس”. وتشير التقارير إلى أن اللقاء قد يتم في سبتمبر المقبل، بعد حسم عدد من الملفات الحساسة، خصوصًا المتعلقة بالتجارة والدفاع.

لكن حضور ألبانيزي لقمة الناتو المرتقبة في لاهاي، التي قد يحضرها ترامب، يثير مخاوف من ظهور رئيس الوزراء الأسترالي بمظهر الساعي وراء رضا واشنطن بأي ثمن، في وقت يدور فيه نقاش أوروبي محموم حول زيادة الإنفاق العسكري.

خلاصة

أستراليا اليوم تجد نفسها في مفترق طرق استراتيجي:

  • إما مواصلة الالتزام الأعمى بالتحالف الأمريكي، مع ما يترتب عليه من مخاطر التورط في صراعات لا ناقة لأستراليا فيها ولا جمل.

  • أو السعي لتعزيز استقلالية القرار الوطني في قضايا الأمن والدفاع.

السؤال المطروح ليس فقط: هل سنُجر إلى الحرب؟
بل: هل لا نزال نملك حق رفضها؟