
في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة الخارجية الأسترالية، زار نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ريتشارد مارلز كلًا من المالديف وسريلانكا، بالتزامن مع زيارته للهند وإندونيسيا، مشيرًا بذلك إلى انخراط أستراليا المتزايد في منطقة المحيط الهندي. ورغم أن هذه الدول الجزرية قد لا تبدو في الوهلة الأولى أولوية دبلوماسية لأستراليا، إلا أن دورها المتنامي في التنافس الإقليمي جعلها ذات أهمية استراتيجية متزايدة.
لطالما اعتمدت أستراليا على حلفائها، أولًا بريطانيا ثم الولايات المتحدة، لتأمين مصالحها في المحيط الهندي. غير أن التحولات الجيوسياسية ونمو آسيا الاقتصادي أجبرا كانبيرا على إعادة التفكير في موقعها ودورها، خاصة في إطار تبني مفهوم “الهندي-الهادئ” الذي يربط جغرافيًا بين المحيطين الهندي والهادئ.
ورغم أن تعامل أستراليا مع المحيط الهندي كان يتم تقليديًا ضمن إطار الهيمنة العسكرية الأمريكية، فإن تزايد الشكوك حول موثوقية الاستراتيجية الأمريكية – خاصة خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب – دفع أستراليا إلى مراجعة توجهاتها الدبلوماسية وتحقيق نوع من الاستقلالية في علاقاتها الإقليمية.
وقد تجلى هذا التوجه في رفض حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز دعوة واشنطن لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مكتفية بهدفها المعلن برفع الإنفاق إلى 2.3٪ بحلول عام 2033. وفي هذا السياق، بات التوجه الأسترالي نحو المحيط الهندي أمرًا ضروريًا.
خلال زيارته للمالديف، قدّم مارلز زورق دورية من طراز “غارديان” مصنوع في أستراليا، مؤكدًا أنه خطوة مهمة لتعزيز قدرة المالديف على حماية مياهها الإقليمية والمساهمة في الأمن البحري في المنطقة. واللافت أن هذه هي من المرات النادرة التي تُقدَّم فيها مثل هذه الزوارق لدولة خارج المحيط الهادئ، ما يعكس مدى جدية الانخراط الأسترالي في المحيط الهندي. كما حضر مارلز افتتاح أول سفارة أسترالية في المالديف، حيث أشار إلى آفاق التعاون الدفاعي بين البلدين.
أما في سريلانكا، فقد سلّمت أستراليا معدات متطورة، بينها طائرة من طراز KA-350 “بيتش كرافت” وجهاز سونار حديث، ما يعزز من قدرات سريلانكا على مراقبة مياهها. ورغم أن المخاوف الأسترالية بشأن شبكات تهريب البشر في سريلانكا قد تكون دافعًا لهذا الدعم، فإن المساعدة تعكس أيضًا سياسة أوسع تدعم الدول الصغيرة في المحيطين الهندي والهادئ.
زيارة مارلز للهند كذلك حملت دلالة على اعتراف أستراليا بالدور المحوري الذي تلعبه نيودلهي كضامن للأمن في المحيط الهندي. وعلى عكس طموحها لتكون الشريك الأمني المفضل لدول المحيط الهادئ، تدرك أستراليا أنها لا تملك الموارد الكافية لتلعب الدور ذاته في المحيط الهندي، مما يدفعها للتعاون مع أطراف متعددة بدلًا من الاعتماد الحصري على الهند، كما تفعل الولايات المتحدة.
في النهاية، ورغم التاريخ الطويل من الإهمال النسبي، فإن أستراليا مطالبة الآن ببذل جهود كبيرة للاندماج في مجتمع المحيط الهندي. ومع ذلك، فإن الخطوات الأولى التي تتخذها الحكومة الحالية، والتي تركّز على الأمن الجماعي من خلال الشراكات والتعاون، تمثل تطورًا مرحبًا به في السياسة الخارجية الأسترالية.