بعد سنوات من الركود والانكماش، يشهد لبنان استنفارًا رسميًّا على مستوى الحكومة وكافة القطاعات المعنية، كاستعدادًا لإطلاق موسم سياحي يُعوَّل عليه كثيرًا لإحياء أحد أعمدة الاقتصاد الوطني. فالسياحة، التي شكّلت ما يزيد عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2011 ودرّت أكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، كانت من أبرز ضحايا الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة التي عصفت بالبلاد خلال العقد الماضي.

من الحرب السورية وما تبعها من انقطاع الشرايين البرية مع دول الخليج، إلى موجة التفجيرات في 2014، ثم الانهيار المالي في 2019، وصولًا إلى جائحة «كورونا» التي شلّت القطاع بالكامل… تراكمت الضربات على السياحة اللبنانية، لتتوجها تداعيات مشاركة «حزب الله» في حرب غزة عام 2023، وما استجرّته من تصعيد إسرائيلي واسع في الجنوب، أدخل البلاد مجددًا في دائرة الخسائر.

لكن مع اقتراب صيف 2025، بدأت بشائر الأمل تظهر، خصوصًا بعد إعلان وزارة الخارجية الإماراتية رفع الحظر عن سفر مواطنيها إلى لبنان. ويُنتظر أن تحذو دول خليجية أخرى حذوها، لا سيما بعد اللقاء الذي جمع سفراء الخليج برئيس الحكومة نواف سلام، والذي قدّم فيه التزامات أمنية ولوجستية واضحة.

الحكومة من جهتها تستعد لإطلاق “غرفة عمليات سياحية” مع خط ساخن مخصص لخدمة الزوار، إلى جانب خطة أمنية لتأمين مطار بيروت ومحيطه، وتفعيل دور الشرطة السياحية. أما وزارة السياحة، فتعمل على تنفيذ خطة متعددة المحاور، كما أوضحت الوزيرة لورا الخازن لحود، وتهدف إلى تحويل لبنان إلى وجهة سياحية مستدامة لا موسمية، من خلال تشجيع السياحة البيئية، الدينية، الثقافية، والطبية، وضبط الأسعار بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية، وتنظيم مهرجانات محلية ودولية، وإطلاق حملات ترويجية في الداخل والخارج.

الوزيرة لحود أشادت بدور المغتربين في دعم القطاع السياحي، سواء عبر استثماراتهم أو عبر زياراتهم الموسمية، معتبرة أن رفع الحظر الإماراتي يمثل “نقطة تحوّل”، من شأنها أن تعيد لبنان إلى خارطة السياحة الخليجية.

من جهته، يذكّر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية مارون خاطر بأن السياحة اللبنانية بلغت ذروتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين لقّب لبنان بـ”سويسرا الشرق”. ويشير إلى أن الأزمات المتكررة منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 أضعفت البنية التحتية وسمعة لبنان كوجهة آمنة، لكن المغتربين ظلوا يشكّلون حبل نجاة دائمًا، ورافدًا رئيسيًا للاقتصاد.

وبحسب خاطر، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، بلغت الإيرادات السياحية في 2023 نحو 5.41 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث الناتج المحلي، مع تسجيل 1.67 مليون زائر. إلّا أن الحرب الأخيرة في الجنوب أعادت المشهد إلى حالة من الترقّب والحذر.

ويخلص إلى أن التحولات الجيوسياسية الإقليمية، وبدء عهد سياسي جديد في لبنان، قد يُمهّدان لعودة الاستقرار وإعادة إطلاق عجلة التعافي الاقتصادي والسياحي، شرط الإسراع في ترميم البنية التحتية وتعزيز الثقة، لا سيما في المناطق الجنوبية.