من رحم الحرب في سوريا وركام أنقاضها، سطع كورال (جوقة) «غاردينيا» النسائي كأحد أبرز وجوه المقاومة الثقافية، وبعد تحرره من قيود نظام الأسد البائد، تحوّلت أغنياته عن الثورة والحرية إلى نوتات موسيقية تُحاكي الأمل، وتُجسّد قدرة المرأة السورية على النهوض عبر الفن.
وتأسس كورال «غاردينيا» النسائي في عام 2016، في خضم الحرب، بمبادرة من مجموعة من النساء المؤمنات بدور الفن وقدرته علي نشر قيم السلام والتسامح، وإظهار قوة المرأة من خلال الموسيقى.
وبمرور الوقت، لم يقتصر دور الكورال على كونه مجموعة جوقة موسيقية فحسب، بل أصبح رمزًا للصوت النسائي الصادح بمعاني الحرية، والسلام والتعايش، والحاصد على عدة جوائز في فعاليات داخل سوريا وخارجها، نظير أدائه اللافت.
ومع انهيار نظام الأسد وحزب البعث تحررت عضوات الكورال من القيود الأمنية السابقة، وأخذن يتنفسن الفن بحرية ويقدّمن أغاني الثورة في حفلات عامة تجمع مختلف أطياف المجتمع.
ويواصل الكورال اليوم نقل آلام وآمال الشعب السوري إلى العالم، ناهضا بروح الفن الحر.
وعقب إحدى حفلات الكورال التي جرى تنظيمها في قصر «بيت فارحي» أحد القصور التاريخية في العاصمة السورية دمشق، أعلنت عضوات الفريق أنهن أخيرا «تمكن من استنشاق الحرية» والغناء دون خوف أو قيود.
وقالت العضو المؤسس في الكورال سفانة بقلة، إنهن منذ تأسيس الفريق الغنائي خضن مسيرة مليئة بالتحديات.
وأضافت أن الفريق يضم 20 موسيقية من خلفيات مهنية متنوعة، جميعهن يمتلكن خبرة احترافية في الموسيقى.
وأكدت أنهن مجموعة مستقلة، رسالتها كانت دائما «جمع السوريين معا، والدعوة إلى السلام، وإثبات أن العمل الجماعي أقوى من الفردي».
وتابعت: «نؤمن أننا نستطيع تحقيق المزيد معا».
واعتبرت بقلة أن تأسيس الكورال جاء «هروبا من الحرب وحالة القمع التي عاشتها سوريا في عهد بشار الأسد».
وحول فترات القمع والخوف في عهد نظام الأسد، أردفت بقلة: «كانت ساعات التدريب ملاذنا، لحظات نتنفس فيها بحرية ونبتعد عن كل السلبيات».
وأشارت إلى أن الكورال يولي أهمية خاصة بالحفاظ على التراث الثقافي والدفاع عن حقوق المرأة، مبينة أن سقوط النظام السابق «منحهن مساحة للتعبير عن الآلام التي عاشها السوريون على مدى سنوات».
وتابعت: «نستطيع الآن أن نقول ما نريد. غنينا أغان لم نكن نحلم بأن نغنيها سابقًا. أعدنا إنتاج التراث الفني الذي وُلد مع الثورة. لم يعد من الصعب إقامة حفل موسيقي، بعد أن كان الأمر يتطلب موافقات أمنية وتعقيدات كثيرة».
واستدركت بكلمات مؤثرة: «الآن يمكننا أن نقدم رسالتنا الفنية بحرية. بدأنا نعيش حياة أكثر راحة على صعيد حرية التعبير».
وكشفت بقلة أنها احتُجزت لدى قوات نظام الأسد عام 2012 لنحو شهر، معتبرة أن أول حفل بعد سقوط النظام كان بمثابة «معجزة لا توصف».
ونوهت عازفة البيانو ياسمين سلامة، وهي عضوة بالكورال منذ عام 2016، إلى أن الفريق واجه صعوبات كثيرة عند التأسيس.
وقالت: «سابقا، لم يكن لدينا مكان للتدريب، كنا نتمرن في بيوت الصديقات تحضيرا للعروض».
ولفتت سلامة إلى أن عضوات الكورال اكتسبن تجارب ومهارات مهمة خلال السنوات التسع الماضية، مشيرة إلى أن الحماسة الكبيرة من الجمهور «كانت دافعا كبيرا للاستمرار».
وعن أول حفل بعد سقوط نظام الأسد، لخصت سلامة تلك اللحظات قائلة: «كان شعورا غريبا، إحساسا يلامس القلب، رأيت أعلام الثورة وتفاعل الناس معها، شعرت وكأنني في حلم».
وتابعت: «لم أصدق أننا في دمشق، وأن هذه الأغاني تُغنّى والناس يصفقون، دون أن يُعتقل أحد. كان شعورا لا يوصف، وكل ما نريده الآن هو السلام».
وقالت ميادة حميدان، إحدى الحاضرات في حفل الكورال في «بيت فارحي»، إن الأغنيات التي قدمها الفريق في الحفل كانت «مؤثرة جدا».
وأكدت على أنه بعد الحرب «يستحق الشعب السوري أن يكون سعيدا».
وأوضحت أنه خلال الحرب «لم يكن الأطفال يسمعون سوى أصوات القنابل، أما الآن، يستحقون الاستماع إلى الموسيقى».
وأشارت إلى أن أغنيات فريق «غاردينيا» عن الثورة والتي قدمها خلال حفله في «بيت فرحي» ذكرتها بأصدقائها الذين فقدتهم خلال الحرب التي استمرت نحو 13 عاما.
واستدركت: «نأمل ألا يعيش أطفالنا مثل هذه المعاناة مرة أخرى».
وأعربت بسمة فلاحة، عن سعادتها لتمكنها من الاستماع لأغنيات «غاردينيا» في حفل حي مباشر.
وقالت: «أنا سعيدة جدا لأنني أرى مثل هذه الفعاليات، وأشاهد عودة بلدي للنهوض من جديد، والأهم أن الناس باتوا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية».