تم تحذير حزب الأحرار منذ سنوات من وجود “مشكلة نسائية” داخل صفوفه. ويمكن ببساطة النظر إلى نتائجه في ولاية أستراليا الغربية لفهم مدى تعثره في إحراز أي تقدم حقيقي.

في هذه الولاية، قدّم الحزب مرشحين في جميع المقاعد الفيدرالية الـ16. لكن أربع مرشحات فقط كنّ نساء، مقارنة بثماني مرشحات لحزب العمال.

من بين المرشحات الأربع، الوحيدة التي ستتوجه إلى كانبيرا هي النائبة الحالية عن منطقة دوراك، ميليسا برايس. أما الثلاث الأخريات، فقد تم ترشيحهن في دوائر انتخابية تُعد خاسرة مسبقاً.

وفي المقاعد الستة التي رأى الحزب أنها تنافسية، كان جميع مرشحيه من الرجال. وعلى النقيض، قدّم حزب العمال توازناً بنسبة 50% بين الرجال والنساء.

ولم تكن الصورة أفضل في مجلس الشيوخ، حيث تُعد ميكيليا كاش المرأة الليبرالية الوحيدة التي تمثل الولاية هناك، وإن كانت تحتل منصباً رفيعاً.

تجاهل مستمر للتحذيرات

بعض أعضاء الحزب انتبهوا إلى هذه الأزمة، من بينهم السيناتورة المنتهية ولايتها، ليندا رينولدز، التي عبّرت عن إحباطها من تجاهل الحزب لمراجعة داخلية حول النوع الاجتماعي كانت قد عملت عليها قبل عقد من الزمن، لكنها بقيت حبيسة الأدراج.

وقالت إحدى المستمعات لإذاعة في بيرث خلال مقابلة مع رينولدز: “بصفتي امرأة، لا أرى في الحزب إلا محيطاً من الرجال”. فردّت رينولدز قائلة: “أنا أتفق تماماً”.

الأزمة ليست فيدرالية فقط

المشكلة تتكرر أيضاً على مستوى الولاية. فمن بين النواب الجدد الستة لحزب الأحرار في مجلس النواب بالبرلمان المحلي، كانت ساندرا بروير، النائبة عن كوتيسلو، هي المرأة الوحيدة. ومن باب الإنصاف، فإن هذا المقعد يُعد آمناً تقليدياً للحزب.

أما النواب الخمسة الآخرون الجدد فكانوا جميعاً من الرجال.

وفي أعقاب الهزيمة الكارثية في انتخابات 2021، خلصت مراجعة داخلية إلى أن “التمثيل الحالي غير كافٍ، ويضر بقدرة الحزب الكاملة، ولا يتماشى مع قيمه، ويجب معالجته”. وأضاف التقرير: “حتى يتم الاعتراف بهذه الحقيقة من قبل جميع الأعضاء، لن يتغير شيء”.

وبالنظر إلى ما حدث في الانتخابات الأخيرة على المستويين الفيدرالي والولائي، لم يشهد الحزب أي تغيير حقيقي في آلية اختيار المرشحين، وبالتالي لم يتغير شيء في النتائج.

من حزب تقدمي إلى حزب منغلق

قالت رينولدز: “عندما تأسس حزب الأحرار، كنا الحزب التقدمي على المستوى الوطني. ليس كما نفهم التقدّمية اليوم بمعناها الثقافي، بل كنا نمثل النساء فعلاً”. وأشارت إلى أنه حتى عام 2001، كانت أغلبية النساء الأستراليات تصوت لصالح الحزب، وهو أمر يبدو غير معقول اليوم.

وأضافت: “علينا أن نفهم لماذا ابتعدت النساء عن حزبنا، ونتغيّر”.

الطريق الصعب إلى الأمام

بعد خسارته الفيدرالية في 2022، حدد الحزب عدداً من الأسباب الرئيسية، من بينها “الشعور بأن الحزب لم يعد يمثل قيم النساء وأولوياتهن بشكل كافٍ”، و”غياب الثقة في أن النساء سيتم تشجيعهن على تولّي مناصب قيادية”.

هذه التصورات يصعب تغييرها، حتى مع اتخاذ خطوات جدية، خاصة في ظل انقسام الآراء داخل الحزب بشأن أهمية هذه القضية.

فقد قالت ميليسا برايس، النائبة الليبرالية الوحيدة عن ولاية أستراليا الغربية في مجلس النواب الفيدرالي، إن “تمثيل النساء ليس هو النقطة الأهم بالنسبة لي”، مشيرة إلى أن الحزب قدّم عدداً من المرشحات، لكنه لم ينجح في إيصال معظمهن.

توصيات للإصلاح

كتبت فيبي هايمان، الباحثة في جامعة لا تروب، في مقال مؤخراً: “إن عدم إحراز تقدم في تحقيق التكافؤ بين الجنسين يشير إلى أن الحزب بحاجة إلى الانخراط الفعلي مع النساء الناشطات ضمنه، والتواصل مع القيادات النسائية في المجتمع المدني والسياسي”. وأضافت: “الأعضاء النشطون قد يكونون المورد الأهم لتحقيق تمثيل متوازن في البرلمان، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك دون وجود نساء على الطاولة”.

ومع ذلك، فإن الواقع أكثر تعقيداً. فكلما كانت تجربة النساء داخل الحزب سلبية، قلّ احتمال ترشح نساء جدد.

لكن أحد الجوانب الإيجابية لهذا المسار، هو أن التفاعل مع قادة المجتمع يمكن أن يساعد الحزب في جذب المزيد من النساء وفهم أولويات المجتمع بشكل أفضل.

لحظة مفصلية

قد يؤدي هذا التحول أيضاً إلى وقف نزيف المرشحات المحتملات اللاتي يتجهن للترشح كمستقلات بدلاً من الترشح عن الحزب.

من بين هؤلاء، النائبة المستقلة عن كيرتن، كيت تشاني، التي عززت سيطرتها على المقعد الذي كان يوماً ما معقلاً لحزب الأحرار في الولاية.

تشاني تنتمي لعائلة سياسية ليبرالية، إذ أن عمها هو فريد تشاني، نائب زعيم الحزب السابق، وجدّها شغل منصباً وزارياً في حكومة روبرت منزيز.

ورغم أنها قالت إنها لم تفكر سابقاً في دخول عالم السياسة، إلا أنها ترى أن الحزب يعاني فعلاً من مشكلة مع النساء.

وتضيف: “عندما رفض الحزب اختيار جولي بيشوب زعيمة، وفضّل سكوت موريسون، كانت تلك لحظة فاصلة. عندها نظرت كثير من النساء وقالت: هذا حزب لا يمثلني”.

وبرغم أن ذلك قد يهدد مستقبلها السياسي، تأمل تشاني أن يُعيد الحزب التفكير في كيفية تسهيل دخول النساء إلى الحياة السياسية، لتفادي التلاشي التدريجي في المشهد السياسي.

“نافذة ضيقة للتحرك”

رغم تعدد الأسباب التي أدت إلى تراجع حزب الأحرار، إلا أن الحلّ لاستعادة الدعم الشعبي يبدو بسيطاً: أن يكون الحزب أكثر صلة بالناخبين. ومن أجل ذلك، يجب أن يفهم نصف السكان ويمثلهم.

لا يمكن للحزب القول إنه لم يُحذّر من هذه التحديات.

كتبت رينولدز عقب انتخابات 2022: “الطريقة الوحيدة التي يمكن لحزب الأحرار بها أن يفوز بما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة أغلبية هي استعادة دعم النساء”. وأضافت: “النهج الصامت لم يُجدِ نفعاً. لدينا نافذة ضيقة للتحرك، وعلينا أن نتحرك الآن”.

لكن هذه النافذة تضيق مع مرور الوقت.

فكل تقدم أو تقاعس عن العمل، هو قرار يتخذه أعضاء الحزب بأنفسهم.