يُعد قطاع الوقود السائل في شمال أستراليا من الركائز الأساسية للقدرات الدفاعية، والصمود الوطني، والازدهار الاقتصادي. إلا أن هذا القطاع يواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة لارتفاع الطلب، وضعف سلاسل التوريد، وهشاشة البنية اللوجستية.

أمن الوقود لا يعتمد فقط على التخزين، بل على توفره في الوقت والمكان المناسبين، تنوع مصادر التوريد وخطوط الإمداد، والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة لضمان استمرارية الإمدادات حتى في أوقات الأزمات.

تحتاج أستراليا إلى تفعيل احتياطياتها غير المستغلة، وتطوير مصفاة محلية للوقود، وتعزيز شبكات النقل واللوجستيات، والاستعداد لخطط الطوارئ.

استقرار مزعوم

في ظاهر الأمر، يبدو أن أمن الوقود في شمال أستراليا مستقر، حيث توفر القواعد العسكرية الرئيسية مثل قاعدة HMAS Coonawarra وRAAF Darwin وRAAF Tindal إمدادات ثابتة. كما يعتمد النشاط الاقتصادي في المنطقة على احتياطيات الوقود في ميلفيل باي ونهولونبوي وشرق ميناء داروين، التي تضم منشآت تخزين تجارية مثل Vopak واحتياطيات دفاعية مستقبلية تديرها Crowley.

عند اكتمال منشأة Crowley في شرق داروين، ستكون مركزًا رئيسيًا لأمن الوقود في المنطقة، إذ ستخزن 300 مليون لتر من وقود الطائرات، 90% منها مخصص للعمليات العسكرية. بالمقارنة، يحتوي مخزون RAAF Darwin على 12 مليون لتر، وRAAF Tindal يحتوي على 14 مليون لتر مخصصين للاستخدام العسكري، بينما توفر قاعدة HMAS Coonawarra نحو 6 ملايين لتر من الديزل للاستخدام البحري. أما البنية التحتية المدنية فتدعم الصناعة والمجتمعات المحلية من خلال احتياطيات مثل 174 مليون لتر لدى Vopak، و30 مليون لتر من الديزل التجاري في ميلفيل باي، وحوالي 20 مليون لتر في نهولونبوي.

لكن هذا النظام المزدوج الذي يوازن بين الاحتياجات العسكرية والاقتصادية يخفى واقعًا هشًا يعتمد على استقرار سلاسل التوريد وعدم حدوث زيادات مفاجئة في الطلب.

نقاط ضعف حرجة

تعتمد أستراليا على استيراد 90% من احتياجاتها من الوقود السائل، مما يعرض شمال البلاد لأي اضطرابات في التوريد. كما أن الفيضانات الموسمية قد تعزل الطرق بين داروين وتيندال، وكذلك القواعد الجوية النائية مثل RAAF Curtin وLearmonth وScherger، مما يبرز ضعف الشبكة اللوجستية ويفتح المجال لاستغلالها من قبل الخصوم أو التأثر بالاضطرابات الطبيعية.

لقد تدهور أمن الوقود في أستراليا على مر السنين، حيث لم تلبِ المخزونات الوطنية الحد الأدنى الموصى به من وكالة الطاقة الدولية والبالغ 90 يومًا من الاستهلاك. وقد كشفت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 عن هذه الثغرات، حيث أدت توترات سلاسل التوريد العالمية إلى تفاقم أزمة الوقود في أستراليا. وعلى الرغم من أن التخزين الإضافي لا يمكنه منع اضطرابات التوريد، إلا أنه يوفر فترة زمنية حاسمة خلال الأزمات.

في المناطق الشمالية، قد تؤدي اضطرابات المصافي الآسيوية أو إغلاق ممرات الشحن الحيوية مثل بحر الصين الجنوبي أو إعصار قوي يضرب ميناء داروين إلى شلل كامل في إمدادات الوقود، مما قد يؤدي إلى تعطيل العمليات العسكرية والبحرية وعزل المجتمعات النائية.

حلول لتعزيز الأمن الطاقي

لمواجهة هذه التحديات، ينبغي على أستراليا اتخاذ عدة خطوات استراتيجية:

  1. تفعيل احتياطيات الوقود في جزيرة ميلفيل: تقع ميلفيل على بعد 80 كيلومترًا من داروين، وتضم منشآت تخزين بسعة 30 مليون لتر. يمكن تطوير البنية التحتية في هذه المنطقة من خلال بناء خطوط أنابيب جديدة وأرصفة مخصصة لناقلات الوقود، لتكون جزءًا من شبكة دفاعية واقتصادية مزدوجة الاستخدام.
  2. إنشاء مصفاة محلية للوقود في الإقليم الشمالي: تعتمد أستراليا بشكل كبير على استيراد وقود الطائرات، وهو ما يشكل خطرًا استراتيجيًا بالغًا. يمكن لمصفاة صغيرة بطاقة 10,000 برميل يوميًا (1.6 مليون لتر) أن تلبي نصف احتياجات قاعدة RAAF Tindal. ورغم أن التكرير المحلي ليس حلاً كليًا، إلا أنه يعزز الاستقلالية الطاقية ويضمن استمرار العمليات العسكرية أثناء الأزمات.
  3. تعزيز الشبكات اللوجستية: الطريق السريع الوحيد بين داروين وتيندال، الذي يمتد على 320 كيلومترًا، عرضة للفيضانات والانقطاع. من المهم تطوير طرق بديلة وتحسين البنية التحتية لتكون أكثر قدرة على تحمل الظروف الجوية القاسية. كما يمكن النظر في بناء خط سكة حديد مخصص ونقل مخزونات وقود استراتيجية بالقرب من القواعد الجوية النائية.
  4. دمج منشآت Vopak ونهولونبوي في شبكة احتياطية: تقدم نهولونبوي 20 مليون لتر من الوقود، لكنها معزولة جغرافيًا. يمكن تحسين البنية التحتية لهذه المنشآت لتصبح جزءًا من شبكة طوارئ وطنية، مع ضمان قدرة القوات الدفاعية على الوصول إلى احتياطيات Vopak التي تبلغ 174 مليون لتر عند الحاجة.

استثمار طويل الأمد في الأمن الطاقي

يتطلب تعزيز أمن الوقود التزامًا طويل الأمد، وهو أمر حيوي للحفاظ على القدرات الدفاعية لأستراليا. فبدون إمدادات وقود ثابتة، تصبح حتى أكثر المعدات العسكرية تقدمًا غير مجدية. إن عدم الاستثمار في تطوير سلاسل التوريد، تحديث البنية التحتية، وزيادة الإنتاج المحلي سيؤدي إلى نقص مستمر في الوقود، مما يُضعف قدرة أستراليا على فرض قوتها والحفاظ على عملياتها العسكرية والاقتصادية. حان الوقت لتعزيز نقاط القوة ومعالجة مكامن الضعف قبل أن تتفاقم الأزمات.

المصدر :