قبل 26 عاماً، افتتح الطاهي الإسرائيلي الشهير أوري جيريمياس الذي شارك في أيار العام الماضي في اجتماع لممثلي الأديان في مدينة #عكا ذات الغالبية العربية والتي تعتبر رمزاً للتعايش العربي – اليهودي، مطعما للمأكولات البحرية.
وأطلق جيريمياس وهو يهودي ولد في عكا على مطعمه اسم «أوري بوري».
لكن بعد أسبوع من الاجتماع، وتحديدا في 11 أيار، أضرم مثيرو شغب النيران في المطعم وفندق «إفندي» الفخم المجاور وكلاهما مملوكان لجيريمياس.
كان المرفقان هدفاً لعنف طائفي هز المدن الإسرائيلية المختلطة.
العام الماضي، صنّف موقع السفر «تريب أدفايزر» المطعم الذي يوظف مالكه عربًا مسلمين بعضهم من كبار الطهاة، ضمن افضل 19 مطعما في العالم.
يقول جيريمياس لوكالة فرانس إنه ووجهاء المجتمع في عكا عموماً عاشوا في أجواء «راضية» عن انسجام العلاقات اليهودية – العربية في المدينة القديمة التي يعود بناؤها إلى الفترة الصليبية.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» قد أدرجت المدينة على قائمة التراث العالمي.
ويقول الطاهي الذي اشتهر بلحية بيضاء كثة إن عكا فشلت في استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب الذي يواجهون صعوبات، خاصة وأن بعضهم يعيشون في أجواء أسرية غير سوية وبعضهم متسرب من المدارس ما جعلهم عرضة للتطرف.
ويضيف وهو الذي أعاد افتتاح المطعم في كانون الثاني الماضي على بعد أمتار قليلة من سور عكا القديم، «لم نر الناس على حقيقتهم، الناس الذين لم يكونوا سعداء».
في 11 أيار 2021 اندلعت في المدن المختلطة في الدولة العبرية أعمال عنف على أثر تصعيد دام مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة اشتعلت شراراته قبلها بيوم.
وجاء التصعيد بعد تهديد إسرائيلي بطرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة تطور إلى مواجهات ما لبثت أن انتقلت إلى باحات المسجد الأقصى.
وأسفرت أحداث العنف الطائفي في المدن المختلطة عن مقتل إثنين من العرب واثنين من اليهود، كما استُهدفت مصالح تجارية ومساجد وكنس يهودية في مناطق عدة.
ولطالما اعتاد جيريمياس على توظيف شبان يهود وعرب ناقمين على ظروفهم ودون تدريب مهني وهو أمر جعل من مصالحه التجارية هدفا لأعمال الشغب.
ويضيف، «سأشعر بالاستياء إن لم أكن هدفا، كانوا يتطلعون إلى إلحاق الضرر بالعيش المشترك في عكا».
ويرى أنه كان «بشكل أو بآخر رمزا له».
في ذلك اليوم كان جيريمياس في عطلة. لكن بسبب الأحداث التي كانت تشهدها مختلف المدن، صمم على الذهاب إلى المطعم وإن كان لتناول الحساء وطمأنة الموظفين.
ويقول إن «هدوءاً حذرا» كان خيم على البلدة القديمة عند وصوله. وما لبث أن أنهى الحساء حتى وصل أربعة رجال مقنعين يحملون قضبانا حديدية وشرعوا بتحطيم نوافذ المطعم الكبيرة المقوسة.
ويضيف «ابتعدوا واعتقدت أنهم عبّروا فقط عن غضبهم وعادوا إلى منازلهم».
لكن بعد لحظات أحدهم اتصل به ليخبره باندلاع النيران في الفندق.
وصل جيران جيريمياس إلى الفندق وبدأوا بإخماد النيران لحين وصوله لكن الوقت لم يسعفهم إذ توفي أحد النزلاء (84 عاما) بسبب حروق واستنشاق للدخان.
تسارعت الأحداث التي لم تنته مع احتواء حريق الفندق إذ وصل رجل راكضا ليبلغ الطاهي باشتعال النيران في المطعم أيضا.
توجه جيريمياس إلى المطعم الذي يبعد 350 متراً وحاول بمساعدة الجيران احتواء الحريق خاصة في ظل انشغال الشرطة والجيش ورجال الإطفاء في أحداث بمناطق أخرى.
ويقول «كانت عكا مستباحة، بدون حماية».
ويضيف أن كل ما فكر به حينها هو المستقبل و»قلت صباح الغد سنبحث عن مكان بديل».
في غضون أسبوعين بدأ الطاهي بتقديم سمك السالمون الساشيمي الذي يشتهر به، في موقع جديد موقت في مجمع يضم أنشطة تجارية على بعد كيلومترات عدة من البلدة القديمة.
وفي الموقع الجديد ظل الطلب على أطباق جيريمياس كبيراً رغم رتابة الجو العام.
في أعقاب أعمال العنف، لاحظ الطاهي المعروف إشارات إنكار مقلقة بين وجهاء المدينة.
ويقول، «قال الناس إن مثيري الشغب ليسوا من عكا، وقدموا جميع الأعذار هربا من المشكلة ولعدم الاعتراف بأننا المشكلة».