لم يقترب لبنان مرة من خطر الفوضى الشاملة كما بدا مقترباً في الساعات الأخيرة وكما يخشى أن يقترب في الأيام الطالعة. ومع أن التطورات والمعطيات والوقائع المتلاحقة داخلياً أمس كانت كافية بذاتها لرسم الصورة الأكثر إثارة للقلق والخشية من انفلات زمام الأمن الاجتماعي والأمني، جاء إعلان السلطات السعودية عن إحباطها إحدى أكبر عمليات تهريب الحبوب المخدرة التي بلغت 14 مليون ونصف المليون من مادة الكبتاغون إلى المملكة من لبنان مجدداً ليزيد في قتامة ما آل اليه مصير لبنان تحت وطأة التعطيل المتعمد لتأليف حكومة جديدة وترك الأمور تأخذ منحى متفجراً لتضع كل لبنان في مهب الزوال كما يدأب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على التحذير منه.
المفارقة المضحكة المبكية أنه في حين كان لبنان يشهد أمس الاول أحد أسوأ أيام التوترات الاجتماعية تحت وطأة اشتعال سعر الدولار في السوق السوداء واشتداد أزمة المحروقات وعودة الاحتجاجات الشعبية إلى الاحتدام الواسع مع قطع الطرق في معظم مناطق لبنان، كاد انفجار إحدى أسوأ موجات الموجات من السجالات العنيفة والمقذعة بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” في توقيت شديد الاحتقان والالتباس وبمضمون سياسي بالغ الحدة والانفعال ينذر بانحراف العلاقة المتفجرة بين هذين الفريقين إلى منحى طائفي الأمر الذي ربما حدا بهما إلى وقفها مساء بعدما طاشت السهام الكثيفة التي تطايرت على وقع أعنف التغريدات والتصريحات المتبادلة بين نواب الفريقين وأنصارهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح المكتب الإعلامي المركزي ل حركة “أمل” في بيان، أنه “لما كنّا دوماً من الحريصين على عدم الدخول في سجال مع أي طرف داخلي، وكنّا في موقع الرد على تصريحات وتغريدات تستهدف الرموز والقيادات، وبعد بيان التيّار الوطني الحر الأخير، نطلب من جميع المناصرين وقف كل أشكال السجالات الإعلامية مع التيّار الوطني الحر”.
ولكن انفجار السجالات ومن ثم العودة إلى الهدنة الإعلامية عكسا بشكل واضح إخفاق حليف الفريقين “حزب الله “بشكل واضح في ان يثبت قدرته على الإمساك بتداعيات أزمة تعطيل تشكيل الحكومة ما دام موقفه الملتبس لا يبلغ حدود الموقف الحاسم حيال العهد وتياره لدفعهما إلى الافراج عن الحكومة الجديدة فيما تنزلق الأوضاع بقوة مخيفة نحو الانهيار الكبير.
بالعودة إلى اليوم اللاهب للمخاوف فقد بدا الوضع أشبه ما يكون باقتراب العد العكسي من نهايته لانفجار في الشارع لا أحد يدري هذه المرة كيف ستكون عليه صورة لبنان في ظله. فمعلوم أن المخاوف بلغت ذروتها من فوضى قد تتطور إلى اهتزازات أمنية خطيرة بدأت ترتسم معالمها مع نماذج لصدامات حصلت أمس في صيدا مع صدام بين الجيش ومتظاهرين ثم في طرابلس حيث تصاعدت مواجهات بين متظاهرين والجيش أمام فرع المصرف المركزي والسرايا وسواها. ثم اتخذ التوتر طابعاً خطيراً مع توجّه مجموعات من المتظاهرين إلى منازل النواب والنواب السابقين في المدينة وحصول احتكاكات مع حراس منزل النائب السابق عبد اللطيف كبارة والنائب فيصل كرامي . كما يخشى أن تتطور الأمور أكثر نحو العنف مع مزيد من تفلت كبير لأسعار السلع الغذائية والحيوية يواكب الارتفاع الذي سيحصل في أسعار المحروقات بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل.
ذلك أن الدولار سجل في السوق السوداء أمس الاول قفزة موجعة إذ بلغ سقف الـ18000 ليرة للمرة الأولى فيما جفت محطات المحروقات في معظمها في كل المناطق وامتنعت عن بيع البنزين والمازوت وهما الأمران اللذان أديا إلى اشتعال شرارة الغضب الشعبي من خلال قطع الطرق والأوتوسترادات والساحات العامة في كل المناطق من الشمال إلى الجنوب مروراً ببيروت والبقاع وجبل لبنان.
وسجلت معالم “استنفارات” شعبية وأهلية لتصعيد كبير في الساعات والأيام المقبلة حيث سيكون الوضع أشد خطورة مع بدء سريان مفعول رفع أسعار المحروقات التي ستنعكس على أسعار السلع كافة وذلك قبل أن يبدأ سريان الإجراء البديل المتصل بالبطاقة التمويلية على هشاشة هذا الإجراء ومحدودية جدواه.
وبدا من بروفة الأمس أن القلق من تفلت اجتماعي وأمني كان في مكانه تماماً خصوصاً مع التمرد الواضح لمحطات المحروقات على كل قرارات منع التخزين إذ “اختفت” معظمها عن الخدمة ورفعت خراطيمها بزعم نفاد البنزين والمازوت فيما بدا واضحاً أن الامتناع كان يهدف للإفادة من فارق الأسعار حين يبدأ اصدار جدول جديد بالأسعار.
أما على صعيد المشهد السياسي فإن أي معطيات جديدة لم تبرز غداة الكلمة التي ألقاها الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله وسط استبعاد أي عامل إيجابي جديد في الملف الحكومي. وأعلن مساء أمس الاول أن الرئيس المكلف سعد الحريري التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وجرى خلال اللقاء تداول الأوضاع في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
لقاء خلدة
عقد في خلدة مساء السبت اجتماع ضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان ورئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب بحضور الوزير السابق غازي العريضي ومستشار أرسلان فرحان أبو حسن.
وتلا وهاب بيان المجتمعين، فقال: “ناقش المجتمعون القضايا الوطنية العامة من كافة جوانبها وشؤون طائفة الموحدين الدروز وأصدروا البيان التالي: “إن الهم المعيشي الذي يعانيه اللبنانيون كافة وأبناء الجبل خاصة يتطلب أعلى مستويات الجهوزية والتحرك الفوري لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط الوضع وتجنباً للكوارث والمآسي، والمدخل إلى ذلك أن نتحمل المسؤولية الوطنية عبر تشكيل حكومة جديدة”.
وأضاف: “ولا يسعنا إلا أن نحيي روح التضامن والتعاون بين أبناء الجبل، ونوجه الشكر إلى إخواننا المغتربين الذين اندفعوا إلى مد يد المساعدة لأهلهم ونعول على دورهم في المرحلة المقبلة. كما نناشدهم دعم المؤسسات التي لعبت دوراً جباراً في المرحلة الماضية ومستشفى عين وزين نموذجاً”.
وتابع: “أكد المجتمعون على إنهاء ذيول الأحداث الأليمة التي وقعت انطلاقاً من القوانين الأعراف المعمول بها في طائفة الموحدين الدروز ورفع الغطاء عن كل من يخل بأمن الجبل واستقراره. كما اتفقوا على مرجعية الجيش اللبناني والقوى الأمنية في حفظ السلم الأهلي. وتم التأكيد على العمل المشترك للوصول إلى تفاهمات حول كل القضايا التي تتعلق بتنظيم شؤون الطائفة الدرزية انطلاقاً من مشيخة العقل”.
وأردف: “ثمّن المجتمعون عالياً موقف الشعب الفلسطيني في مواجهته الأخيرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وتمسكه بحقوقه على أرضه ودفاعاً عن مقدساته ويعتبرون هذا الموقف المشرف أملاً في هذه المرحلة السوداء انطلاقاً من تمسك طائفة الموحدين الدروز بهويتها وانتمائها العربيين”.
ورداً على سؤال، أشار وهاب إلى أن البحث تطرق إلى ضرورة تشكيل الحكومة في أسرع وقت وأن كل الأطراف يجب أن تتحرك لتشكيلها.
وأكد أن كل المطلوبين في أحداث الجبل سيتم تسليمهم إلى القضاء الذي سيقرر وأنه خلال ساعات أو أيام ستتم عملية التسليم، محذراً من أن العقاب سيكون قاس تجاه كل من سيستخدم السلاح وسيتحمل من يستخدمه المسؤولية من الآن فصاعداً في الجبل.