اختزلت معركة حارة الطي، الواقعة بمدينة القامشلي أقصى شمال شرقي سوريا، الحرب السورية بمشاهد تضم طائرات روسية في سماء الحي بعلو منخفض، وصورة للرئيس السوري بشار الأسد في آخر نقطة لتمركز القوات النظامية، وراية قوات الأمن الداخلي (الأسايش) الزرقاء فوق خزان المياه، مع عودة أولى دفعات المدنيين فوق فوارغ طلقات الرصاص المتناثرة على قارعة الطرق التي بدت أثارها ظاهرة ونقشها على جدران المنازل. وفي المربع الأمني عند دوار السبع بحرات (وسط القامشلي)، حيث تمركز الأفرع الأمنية التابعة للنظام، وعلى غير العادة، غابت العناصر والمسلحين المدججين بالعتاد، وبقي تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد من دون حراسة، بعد سيطرة قوات «الأسايش» الكردية على حارة الطي الموالية للنظام. وبموجب هذه السيطرة، ستعيد التقسيمات العسكرية الجديدة تفاهمات وتوازنات بين القوى المحلية المتصارعة وداعميها الدوليين. وفي «حارة الطي» جنوب القامشلي، جلس محمد هادئاً على كرسي بلاستيكي وأصابعه تدير حبات المسبحة أمام متجره لبيع الأثاث المستعمل الذي يقع في منطقة استراتيجية شهدت اشتباكات عنيفة بين عناصر ميليشيات «الدفاع الوطني» الموالية للنظام الحاكم وقوات الأمن الداخلي (الأسايش) خلال الأسبوع الماضي، انتهت لصالح الأخيرة ببسط سيطرتها عليها. ويروي محمد كيف استخدم مسلحو «الدفاع الوطني» الطابق العلوي فوق متجره لإطلاق النيران من بنادق القنص والمدافع الرشاشة على القوات المهاجمة المتقدمة، بينما كانت أسرته وغيرهم ممن أخرجتهم الحرب من ديارهم يقبعون في الطابق السفلي. وأشار إلى زجاج متجره الذي كان متناثراً على الأرض، ليقول: «في أول يوم من الاشتباكات، عندما انطلقت نيران المدفع الرشاش، ومرت رصاصات فوق رأسنا، أدركنا أن الأيام المقبلة ستكون ساخنة، حيث انتهت جولة من الحرب لنشهد جولة جديدة». ومنذ ساعات صباح يوم أمس، عاد قسم من سكان الحي، وتفقد مدنيون منازلهم، وأزالوا الركام من أمام محلاتهم التجارية، وعاد آخرون منهم على متن سيارات وآليات محملة ببعض من حاجاتهم، فيما يخشى كثيرون الدخول إلى منازلهم خوفاً من انفجار لغم ما. تقول عبلة التي انتظرت طوال أسبوع السماح لها بالعودة وتفقد محتويات منزلها: «كان بالي مشغول على بيتي؛ بقيت عشرين سنة حتى قدرت أسس هذا البيت… تعبنا من هذه الحروب، فالحجر تعب والشجر تعب، والبني آدم كيف يتحمل كل هذه المصاعب». ولدى التجول في شوارع حارة الطي وأزقتها وسوقها المركزية، تبدو مظاهر الاشتباكات شاهدة على شراسة المعارك القتالية، حيث يمكن رؤية كثير من المنازل والمحال التجارية وقد طالتها طلقات الرصاص، أما التي تعرضت للقصف فلم تسلم أبوابها ونوافذها جراء ضغط الانفجارات، وتناثرت الحجارة وأنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ولم تعد صالحة لتشغيلها مرة ثانية. ودعت قوات «الأسايش»، في بيان نشر على حسابها الرسمي، من يرغب في العودة من أهالي حي طي الذين خرجوا من منازلهم أن يراجعوا نقاطها الأمنية لتأمين دخولهم، والتأكد من سلامة ممتلكاتهم. وأفضت اشتباكات حارة طي إلى سيطرة قوات «الأسايش» على القسم الأكبر من الحي المطل على مطار القامشلي المدني، عدا مدرسة عباس علاوي التي تحولت إلى نقطة أمنية تتمركز فيها القوات النظامية الموالية لحكومة دمشق، والشوارع المحيطة بخزان المياه، وصولاً إلى حي زنود، ويقع جنوب شرقي المنطقة، حتى حزام المدينة بعرض 145 متراً، وبعمق يبدأ من مدرسة عباس علاوي باتجاه الحزام لمسافة 325 متراً، وتحولت هذه المنطقة إلى شبه مربعات أمنية لمؤسسات الحكومة في مدينتي القامشلي والحسكة. وأشار علي الحسن، المتحدث الرسمي باسم «قوى الأمن الداخلي»، إلى أنها «ستحتفظ بالنقاط العسكرية التي سيطرت عليها ضمن حي الطي، بعد طرد عناصر (الدفاع الوطني) الموالين لدمشق كافة». وقد سرت في الهواء رائحة بقايا جثث، وتحول المكان إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، توسط شوارعها كتل خرسانية. ونقل فتحي الذي عاد للتو وقد بدت عليه الفرحة لأن بيته من البيوت التي لم يصبها الأضرار: «مع بداية الاشتباكات، الأسبوع الماضي، هربنا بأروحنا وملابس النوم، ولم نحمل معنا أي شيء، كما لم يصب أي من أقاربي بسوء خلال الاشتباكات العنيفة». وسيرت الشرطة العسكرية الروسية التي رعت اتفاق وقف إطلاق النار وضباط من الجيش السوري وقادة من «الأسايش» دوريات مشتركة جابت شوارع الحي، وتفقدت المناطق الخاضعة للقوات النظامية والمعابر الإنسانية المخصصة لعبور سكان المنطقة. وبحسب سكان الحي العائدين، لا يزال هناك قسم كبير من أبناء الطي لم يعودوا بعد، ولا توجد تقديرات أولية حول نسبة الذين عادوا أو الذين ينتظرون العودة.