نورالدين مدني
بعيداً عن السياسة التي تسببت في استقطاع جزء عزيز من بلادنا عقب الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على مصير الجنوب، توقفت عند رسالة المواطن ياسر عرمان التي بعث بها عبر «الفيس بوك» لوالديه.
* جاءت الرسالة مشحونة بالمعاني الجميلة التي تتعمق أكثر تجاه الوطن والأهل لدى الذين دفعتهم ظروف العمل أو الحراك السياسي للخروج بعيداً عن تراب الوطن والأهل والأصدقاء والأحباب بالداخل.
* بدأ رسالته بمقولة رسول حمزاتوف التي كما قال عرمان قد عبَّرت بدقة عن لواعج ونزعات النفس البشرية، والنفس اللوَّامة التي تتوق وترغب في الوصول إلى مشارف الكمال البعيدة وتصحيح ونفض ما علق بها من شوائب وغبار، وما اقترفت يدانا في طريق الحياة الشائك المعقَّد.
* قال حمزاتوف (لكم تمنيت لو كانت حياتي مسودة كتاب لأقوم بتصحيحها من جديد) وقد تذكر عرمان هذه العبارة في ليلة عيد ميلاده ـ وهو بعيد عن الأقربين ـ وبعث برسالة اعتذار إلى أمه فاطمة عالم وأبيه سعيد عرمان.
* قال في اعتذاره لهما إنه اختار طريقاً لم يكن على اتفاقهما ومع ذلك احترما خياره وتمنيا له النجاح حتى في الأشياء التي لم يشاركاه الاتفاق فيها، ومضى في رسالته ذاكراً أنهما أحباه بلا حدود أو مقابل.
* لم يكن غريباً أن يدافع ياسر عرمان عن الطريق الوعر الذي اختاره في هذه الحياة ، لكنه عاد ليتحدث عن والديه قائلاً في ذات الرسالة (أشعر بالأسف الشديد لأنني لا أستطيع أن أكون بجوارهما وهما أكثر حاجة إليَّ في منعطفات الحياة وانحدار الطريق، وأشعر بالأسى مرة أخرى لغيابي الطويل عن أمسياتهما وعند شروق النهار).
* توقفت كثيراً أمام هذه الرسالة السودانية المؤثِّرة التي تعبِّر عن حال أعداد كبيرة من السودانيين وغيرهم من شعوب العالم الذين اضطرتهم ضغوط الحياة المعيشية للهجرة والاغتراب في بيئات غريبة عن بيئاتهم التي يفتقدها كل الذين يبعدون عن موطنهم الأصلي.
* لذلك لم يكن غريباً أن يشير عرمان لهذه المشاعر وهو يتحدث عن جمال العلاقات بين الأبناء والأمهات والآباء في السودان، وهو يبعث بتحياته وامتنانه وحبه لأمه وأبيه و إلى كل الذين حرصوا على تهنئته بعيد ميلاده الذي يصادف الخامس من أكتوبر، وهو بعيد عنهم.
* إننا في حاجة ماسة لاستلهام الدروس من هذه المواقف الإنسانية التي لا تُقدَّر بثمن، ونحن أكثر حرصاً على مد جسور التواصل والمحبة التي لا تقطعها المسافات البعيدة ولا دورة الزمان المتسارعة.