بقلم بيار سمعان

الجميع يعلم ان منطقة الخليج العربي تحتوي على اكبر احتياطي للنفط. فهي الخزان الاول له في العالم. وكشفت الدراسات الحديثة ان الخزان الثاني في الأهمية هو في منطقة جمهوريات وسط آسيا الاسلامية، والمنطقة الممتدة من بحر قزوين الى القوقاز، بالاضافة الى ثروات نفطية وغازية هامة تتركز في بلاد العراق والشام، امتداداً الى البحر الابيض المتوسط، واخرى في جنوب السودان امتداداً الى القرن الافريقي، وثالثة تمتد من مصر الى الجزائر.
هكذا يبدو ان العالم العربي والاسلامي يمتلك من الثروات النفطية والمعدنية المختلفة مخزوناً هائلا،. حتى اصبحت بعض الدول الاولى عالمياً في تصدير هذه المواد. اضف الى ذلك الكثير من الثروات الحيوانية والزراعية المتوفرة في هذه المناطق.
لكن الحقيقة المأساوية الاخرى تتجسد في الواقع الصادم، وهي ان هذه المنطقة تتصدّر قوائم الدول الأكثر فقراً وتخلفاً وجهلاً واميّة في العالم بأسره، وان الأكثرية الساحقة من شعوب هذه المنطقة، بما فيها الدول النفطية التي تعيش تحت خط الفقر، رغم الثروات الخيالية التي تجنيها بعض الدول.
ويكفي ان نعلم ان 65٪ من استهلاك اوروبا للغاز الطبيعي يأتي من الجزائر مروراً بالمغرب، وان جزيرة العرب تحوي على 75 ٪ من احتياطي النفط المعروف في العالم، وانها تنتج ما يزيد على 16 مليون برميل نفط يومياً، وان جنوب العراق قادر على انتاج 5 ملايين برميل نفط يومياً، ما عدا ما ينتجه من الغاز.
< شعوب اغنى بقعة في الاراض هم الأفقر في العالم.
اكتشف النفط لأول مرة في العراق سنة 1927 في حقل كركوك، بينما شهدت سنة 1932 اكتشافه في شبه الجزيرة العربية في البحري، تم سنة 1938 كل من السعودية والكويت وقطر. وفي 1962 في الامارات وعمان. وهكذا دواليك جرى اكتشاف «الذهب الاسود» في اكثر من بلد عربي.
لكن يبقى السؤال الأهم هو: لماذا تعتبر الشعوب العربية في البلدان النفطية افقر الشعوب واكثرها أمية؟
للجواب على هذا السؤال شقان – الاول خارجي والثاني داخلي عربي.
– العوامل الخارجية:
لم يكتشف العرب النفط في بلادهم بل اكتشفها الاوروبيون وعملوا على استخراجها.
فالثروات العربية النفطية تسرق اولاً بأول من مصادرها، لأن شركات اجنبية تشرف على مراحل الاستخراج والتكرير والتسويق المتاجرة به. وهي تدير البنوك الدولية حيث تستقر الارصدة وتستكمل دائرة السرقة.
تبدأ السرقة بداية مع ابرام العقود بين الحكومات والشركات المستثمرة في قطاع النفط، اذ يذهب ما بين 40 الى 60 ٪ من مدخول الانتاج لصالح الشركات المنتجة. ثم تأتي مرحلة ثانية من السرقة عن طريق تزوير كميات النفط المستخرجة، طالما ان الشركات هي من يشرف على استخراجها بواسطة مهندسين وخبراء تابعين لها، فضلاً عن رشوة المشرفين من قبل الحكام.
ثم تأتي المرحلة الثالثة من مراحل السرقة من خلال تحديد اسعار النفط في السوق العالمية والتحكم بها لحماية هذه السوق والاقتصاد العالمي ووضع حدود للارباح التي تجنيها البلدان المنتجة. ولم يعد خافياً ان اسياد البورص العالمية يلعبون دوراً مؤثراً في تحديد اسعار المواد الاولية، وفي طليعتها النفط والغاز.
– العوامل الداخلية:
اكتشف النفط في دول يسودها انظمة اقطاعية ويحكمها تكتل القبائل والعشائر التي طالما عاشت في بيئة صحراوية جرداء. وساهم الاستعمار الاوروبي في تدعيم مواقع من قبل منهم التعاون معهم وقبل باستخراج النفط بالشروط التي وضعها المستعمرون. من هنا، ومنذ المراحل الاولى بدأت حقبة من التعاون بين الدول الغربية والطبقة الحاكمة الجديدة، كما جرى التفاهم على تقاسم الثروات مقابل توفير الحماية للأنظمة الحاكمة التي لم يختارها الشعب، بل فرضت عليه، بعد ان خضعت لاختبارات الوفاء للمستعمر والطاعة له والالتزام بشروطه.
والجميع يعلم اليوم ان حكومات البلاد العربية تحددها مصالح خارجية، وان الحكام والملوك والامراء وابنائهم واخوانهم وابناء عشيرتهم هم المستفيدون الوحيدون من مداخيل النفط. وهم يحصلون الى جانب الحماية الخارجية على هبات اضافية من الشركات والبلدان المنتجة. ونادراً ما يلاحظ ان مداخيل النفط توزع بالتساوي بين المواطنين ويجري استثمارها لرفع المستوى التعليمي في البلاد ومكافحة الأميّة ومحاربة الفقر والجهل المتفشيان.
وكما يقول المثل الشائع: «كثر العلف بتعمي الفدان». اساء المستفيدون من مداخيل الثروات الطبيعية للامعان في الإثراء والفحش واشباع النزوات من الزنى والفجور والقمار وطلب السيارات المصفحة او المطلية بالذهب، على حساب الحاجات المجتمعية والبنى التحتية والانسانية، وهي الأهم في مقياس الإثراء الاجتماعي.
وغالباً ما قامت الانظمة العربية بانفاق اموالها على الثورات المسلحة والحروب العربية والمذهبية. هكذا فعل معمر القذافي والدول النفطية في الحرب اللبنانية واليمنية والسورية ودعم المجموعات الاصولية والارهابية ونشر الاسلام الاصولي للإيحاء للجموع العربية انهم حماة الدين والعقيدة، رغم التناقض الفاضح في نوع الحياة لديهم والظروف المعيشية لدى عامة الشعوب العربية.
< حسابات الحكام
المضحك المبكي ان التقارير السرية للحسابات المصرفية في الخارج تكشف حجم الثروات المفهومة والتي تذهب الى حسابات خاصة بالحكام والقيادات في البنوك السويسرية والاوروبية والاميركية .
وفي غياب الانظمة الديمقراطية وقوانين المساءلة والمحاسبة، فإن معظم الثروات العربية تسرق وتودع في الخارج او يجري تحويلها الى بلوكات الذهب التي تودع في المصارف العالمية او داخل خزانات خاصة.
< ثروات العالم لمن؟
منذ عقدين او اكثر بدأ طرح مفاهيم فكرية جديدة حول وحدة الارض ومصيرها وخيراتها. فبدأنا على سبيل المثال نسمع بطروحات مختلفة حول التبدلات المناخية ومسؤولية البلدان لخفض الانبعاثات الحرارية وحظر التلوّث البيئي ومسؤولية الشعوب للحفاظ على الكرة الارضية حيّة وآمنة للأجيال القادمة.
كما طرحت آراء ومقولات ان الكرة الارضية هي اليوم «ضيعة كونية»، الجميع مسؤولون عنها ويحق لهم العيش الكريم عليها. وبالتالي طرحت آراء حول الثروات الطبيعية التي يحق للجميع الاستفادة منها، ويجب بالتالي نزعها من ايادي مَن يسيئون استخدامها ولا يحسنون ادارتها. فالبشرية هي احق منهم للمتع بخيرات الارض، وهي موهبة طبيعية، لا منّة لأحد ولا فضل له عليها.
لذا بدأنا نسمع نداءات البعض تطالب بحسن الاستفادة من الثروات الطبيعية، كالمياه والغابات والنفط والمعادن، والا سيطلب الى آخرين، هم بحاجة اليها للاستفادة من هذه الثروات بحجة سوء الاستخدام وعدم الاستفادة من المداخيل القومية لتحسين الاوضاع المعيشية في تلك البلاد.
وقد يكون المنطق الذي يتحدث به الرئيس الاميركي دونالد ترامب عندما يخاطب الدول العربية، والنفطية بالتحديد هو ناتج عن هذه المسألة المبدئية . اذ غالباً ما يذكر ترامب «عرب النفط» ان الولايات المتحدة هي غير ملزمة بحماية الانظمة والدفاع عنها، وبالتالي، على القادة والامراء العرب ان يدفعوا مقابل الاستقرار والحماية.
وتذهب الحركة الصهيونية ابعد من ذلك اذ يشيع اربابها ان العرب غير قادرين على الاستفادة من الخيرات الطبيعية التي اثرت طبقة صغيرة على حساب عامة الشعب. كما رددوا نفس المقولة حيال المياه في لبنان، اذ انهم، على حد قولهم، احق من اللبنانيين فيها طالما لا يحسن استخدامها ويدعونها تتلوث وتصب في مياه البحر دون اية منفعة للبلاد.
وشهدت السنوات الاخيرة موجة من الاحتجاجات حول العائلات المالكة وامراء النفط الذين يزدادون ثراءً على حساب عامة الناس. وفيما تزداد نسبة الفقر، يرتفع الثراء الفاحش لدى اقلية ضئيلة من النخب الحاكمة. والفقر يزيد من مستوى الأميّة والجهل وعدم تحصيل العلوم او اكتساب المهارات التقنية المتطورة. بل حصرت هذه المزايا والمؤهلات في صفوف القلة الضذيلة من ابناء النخبة الحاكمة.
< اغنى الأسر الحاكمة، نصفهم عرب
هناك العديد من الأسر الحاكمة التي تمكنت خلال سنوات طوال من جمع ثروات كبيرة، من ممتلكات ومشاريع تجارية وهبات وعدم دفع الضرائب كسائر المواطنين.
ومن ضمن هؤلاء عدد لا يستهان به من الملوك والأمراء العرب الذين استفادوا من النفط العربي وثروات بلدانهم، لتكديس الاموال الطائلة. ونذكر منهم
– السلطان قابوس بن سعيد وتقدّر ثروته 7،5 مليار دولار.
– تميم بن حمد (قطر) وثروته 8،5 مليار دولار
– الشيخ صباح بن احمد الصباح (9 مليار دولار)
– السلطان حاجي حسن (بروناي) وثروته 30 مليار دولار
– الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (دبي) وثروته تقدر بين 30 و40 مليار دولار
– الشيخ خليفة بن زايد (ابو ظبي) وتقدّر ثروته 35 مليار دولار.
– الملك سلطان بن عبد العزيز (السعودية) 50 مليار دولار.
– الملكة اليزابيت : 75 مليار دولار
< الخاتمة:
يروى ان الرئيس المصري حسني مبارك ذهب قبل سقوطه بسنوات الى المانيا للعلاج في احدى مستشفياتها مصطحباً عدداًمن المساعدين والحراس وافراد عائلته.
ولفتت الحركة غير الاعتيادية نظر مواطن الماني كان يتعالج في نفس المستشفى والقسم ذاته. فسأل عن النزيل المجاور، فقيل له: انه زعيم عربي. فسأل كم سنة له في الحكم؟ قيل له: ثلاثة عقود، فعلق قائلاً: هذا زعيم ديكتاتور وفاسد. انه ديكتاتور لأنه امضى 30 عاماً في الحكم، وفاسد لأنه رئيس وضعت بتصرفه كل الامكانيات والصلاحيات، ولن ينشئ مستشفى لا يتردّد ان يتلقى العلاج به.
ثورة الربيع العربي اطاحت بمبارك والقذافي وبسواهما، والاضطرابات والحروب التي تشهدها الدول العربية تظهر هشاشة الانظمة وديكتاتورية وفساد الحكام. لكن للأسف، غالباً ما يستبدل هؤلاء بحكام جدد اشد سوءاً وتزمتاً.
ربما المطلوب الا يستفيد العرب من الثروات الطبيعية الضخمة التي يمتلكونها؟ او ربما المطلوب ابقاء الرحيل عن الاوطان الخيار الافضل للأجيال القادمة!؟
وهل سيتحول النفط العربي لصالح من يحسن ادارته والاستفادة منه؟

pierre@eltelegraph.com