بقلم بيار سمعان

منذ انفجار النزاعات داخل الإئتلاف والخلافات في الحكومة، تشير استطلاعات الرأي ان انتخاب حكومة عمالية في عام 2019 قد يكون امراً محسوماً، إلا في حال حدوث مفاجآت غير متوقعة.

ومع تلهي وسائل الاعلام بالنزاعات داخل الإئتلاف يجري اهمال تسليط الاضواء على برنامج حزب العمال الخطير، والذي اقل ما يقال فيه «انه يتعارض مع هموم الناس ولا يعبر عن اولوياتهم الحياتية»

لقد استفاد حزب العمال من هذه الفوضى الاعلامية ليقر برنامجاً خطيراً لسياسته المستقبلية والذي سيعرض خلال المؤتمر السنوي من 16 الى 18 كانون الاول.

الوثيقة العمالية هي القاعدة الاساسية التي ترسم ما ستكون عليه الحكومة العمالية المقبلة، في حال فاز حزب العمال في الانتخابات الفيدرالية، كما هو متوقع، وتحدد الآجندا السياسية التي ستلتزم بها.

الانطباع الاول هو ان حزب العمال يعيش اليوم حالة من «الغربة» تجعله في موقع متباعد عن القاعدة الشعبية. انه يعيش ازمة «هوية» بعد ان اتخذ منحىً يتعارض مع طروحاته التقليدية، اي حماية الطبقة الشعبية والحفاظ على حقوق العمال وتثبيت العدالة الاجتماعية، كما يدعي الحزب.

ومن المفترض ان تكون الوثيقة العمالية المكونة من 224 صفحة عبارة عن تعبير عن قيم ومعتقدات وقناعات الحزب التقليدية. لكن لنستعرض معاً بعض ما ورد فيها.

ذكر في الوثيقة 59 مرة كلمة «العلاقة الجنسية المتبادلة» و64 مرة عبارة «الميول الجنسية او التوجه الجنسي، و42 مرة LGBTI، و36 مرة «المتحولين جنسياً، و33 مرة كلمة «ثنائي الميول الجنسية»، و31 مرة «السحاق» و29 مرة مثلي الجنس اواللواطيين. كما وردت اكثر من مرة تعابير «الخوف من التحوّل الجنسي» والخوف من المثليين والتمييز العنصري ضدهما…

وذكر تعبير «نوع الجنس» 138 مرة، واشير 19 مرة الى الهوية الجنسية وخمس مرات ورد تعبير «الفجوة بين الجنسين».

كلمة «التنوع الجنسي» اشير اليها 27 مرة، بما في ذلك تعهد حزب العمال ان يتبنى هدفاً اساسياً بنسبة 50 في المئة من برنامجه للتنوع بين الجنسين في المجالس الحكومية خلال المرحلة الاولى من حكمه.

ويذكر مصطلح «الهوية» 42 مرة.

ويتعهد حزب العمال، تحت شعار قانون حقوق الانسان، اقامة مفوضية جديدة لمتابعة قضايا «التوجهات الجنسية والهوية الجنسية وقضايا ثنائيي الجنس ومن لديهم الحالتين». وهذا ما اعلن مراراً سياسيون محافظون معارضتهم له وحذروا من خطورته.

بالمقابل لا تذكر وثيقة حزب العمال، على سبيل المثال، اي شيء عن «الامهات المفردات» اوغير المتزوجات اللواتي يعشن حالة من الفقر والعوز. كما لا تتطرق الوثيقة الى قضايا غلاء المعيشة وتدني الاجور وغلاء الكهرباء والقدرة لدى المواطنين على شراء المنزل الاول او الحصول على القروض المنزلية، وغيره من الأمور الحياتية المعيشية واليومية…

فكرامة الطبقة العاملة ومعالجة همومهم وتحصيل حقوقهم وهي من جوهر القيم الاساسية التي يقوم عليها حزب العمال، ذكرت مرة واحدة فقط في الوثيقة.

اما مسألة الفقر الذي يعاني منه اليوم اغلبية الطبقة العاملة او العاطلة عن العمل،  فوردت فقط 25 مرة بالمقارنة مع مصطلح «التوجه الجنسي» الذي ورد ذكره  55 مرة. بينما اشير الى التشرّد 43 مرة.

فالجانب الاجتماعي – الاقتصادي يبدو ان حزب العمال قد اهمله بعد ان صبّ اهتماماته على القضايا الجنسية ومساعي استبدال هوية المواطنين.

< مبادئ Yogyakarta

لكن الأمر الأخطر والمثير للقلق هو ذكر فقرة، دفنت في الصفحة 188 من الوثيقة، وقد بنيت هذه الفقرة على مبادئ «يوغياكارتا» الراديكالية والتي توصي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان، فيما يتعلق بالميول الجنسية والهوية الجنسية، والتعبير عن هذه الميول والخصائص الجنسية.

وقد وضعت هذه المبادىء عام 2006 في مدينة يوغياكارتا الاندونيسية، وقام باعدادها عدد من ممثلي المنظمات غير الحكومية ومندوبي الأمم المتحدة. وجرى تعديلها في عام 2015. وهي ليست ملزِمة لأية حكومة، الا من يقرّر ادراجها والالتزام بها، كما يفعل حزب العمال اليوم.

وتوصي مبادئ يوغياكارتا الحكومات بنزع «الجنس» من جميع شهادات الميلاد وجوازات السفر ورخص قيادة السيارات واية بيانات شخصية اخرى.

وستشمل وثائق الهوية الرسمية والحكومية فقط المعلومات الشخصية الضرورية دون ذكر الجنس والهوية الجنسية.

وفي حال رغب اي شخص تحديد جنس آخر له، يجب على الحكومات الالتزام بتوفير آلية سريعة وواضحة يمكن الحصول عليها بسهولة والاعتراف بهذا التحوّل الشخصي بشكل قانوني ومشروع.

ولن يسمح لأية جمعية رياضية او لرياضات نسائية، تحت تهديد الملاحقة القانونية، باستبعاد اي شخص يعرف باسم امرأة ، كما يحظر صراحة «اجراء اي فحص او اختبار للتحقق من نوع الجنس، مما يضمن ان يشارك الجميع في اي نشاط رياضي، تماشياً مع نوع الجنس الذي يحدده الفرد شخصياً لنفسه.

ولن يسمح لأية تدابير او سياسات على اجبار النساء الرياضيات ان يجري اكراههن او ممارسة ضغوطات بحقهن، للخضوع الى فحوصات طبية او اختبارات لا داعي لها، من اجل مشاركة الأناث في اي نشاط رياضي يرغبن بمزاولته.

كما يجب توفير حمامات ومراحيض محايدة ومشتركة للجنسين، وغرف تبديل الملابس والترحيب بالاشخاص من ذوي التوجهات الجنسية المختلفة او اي تعبير جنسي لدى الاشخاص، دون اي تمييز.

< السجون واللاجئين والمدارس:

وفيما يتعلق بسجون الذكور والأناث، ينبغي ان يكون الاشخاص من جميع التوجهات الجنسية  والهويات الجنسية والتعبير الجنسي والخصائص الجنسية، قادرين على اختيار «المرافق التي يوضعون فيها».

اما ما يتعلق بسياسة اللاجئين، يتعيّن على الحكومة «قبول التعريف الذاتي للشخص الذي يطلب اللجوء على اساس التوجه الجنسي او الهوية الجنسية التي يتخذها لنفسه، او التعبير عن الجنس والخصائص الجنسية كنقطة اساسية للنظر في طلب اللجوء الخاص به.

وهذا يلزم تدريب الموظفين القضائيين والمسؤولين عن تنفيذ القوانين وغيرهم من الموظفين في القطاع العام بغية حسن المعاملة والتصرف مع هذه الحالات.

وبالطبع ان تبني هذه الايديولوجية سيشمل المدارس والمؤسسات التعليم بها وما اصبح يعرف «بالمدارس الآمنة» والسماح بمنح المنشطات للأطفال الراغبين بالتحوّل الجنسي.

>  بيل شورتن يغسل يديه

ما ان  انتشرت هذه المعلومات حتى سارع زعيم المعارضة بيل شورتن الى تكذيبها، مدعياً ان حزب العمال لن يقر برنامج «حذف الفروقات الجنسية» عن سجلات الهوية.

غير ان بيل شورتن يتناسى انه كان تعهد سابقاً انه لن يعمل على اقرار تعديل قانون الزواج وانه سيصوّت ضد هذا القرار في البرلمان، هذا ما تعهد به لنا في التلغراف، خلال لقاء معه قبل عام من تعديل قانون الزواج. وتبين لاحقاً  ان حزب العمال، بموجب الميثاق الذي اقر في الاجتماع العام للحزب سنة 2015، كان قد تعهد  بتعديل قانون الزواج وتشريع زواج المثليين. فمن نصدق اليوم؟ بيل شورتن ام وثيقة حزب العمال؟

باعتقادي، ان  بيل شورتن فقد الكثير من مصداقيته خلال زعامته للحزب الحقيقة الاخرى التي اصبحت ثابتة تؤكد مرة اخرى ان حزب العمال هو ملتزم الى ابعد الحدود بخطة الأمم المتحدة، وهي السلطة البديلة الحالية للحكومة العالمية. كما ان حزب العمال قد تبنى عن قناعة وسابق تصوير البرنامج الماركسي الملحد الذي يسعى، ضمن خطة عالمية مشتركة، الى ضرب العائلة، ونشر الالحاد ودمار الأديان وتعميم الفردية وإلغاء الفروقات الجنسية.

لقد وضع العالم بأسره اليوم في مواجهة خيارين: اما الالحاد او الشريعة الاسلامية. هكذا يصور لنا الاعلام المقروء والمرئي الواقع. وهكذا يجد الانسان المعاصر نفسه امام معضلتين لا ثالث لهما: اما ان يختار البرنامج الذي يتبناه الفكر الملحد او ان يتحمل تبعات وعواقب تطبيق الشريعة الاسلامية كنظام بديل.

فمن يمسك بعصا التهديدات من طرفيها: أهو جورج سوروس الذي ينفق المليارات لأمواج النازحين واللاجئين الى الغرب، ام ان سوروس هو مجرد لاعب وحيد من شبكة متكاملة من اثرياء العالم الذين يسعون جاهدين لاحكام سيطرتهم على كل الثروات والانظمة، ويتحكمون بمصير البشرية وخفض عدد سكان العالم الى 500 مليون نسمة، وفرض نظام عالمي جديد وديانة جديدة وعبودية مطلقة للشعوب…!!

< الانتخابات المصيرية

نحن في استراليا على مشارف انتخابات عامة خلال السنة القادمة. انها دون شك انتخابات مصيرية ستحدد مستقبل استراليا وشعبها لنصف قرن على الأقل.

لذا ادعو من يعتبرون انفسهم اوفياء لحزب العمال، خاصة من ابناء الجاليات العربية والاسلامية الى اعادة تقييم مواقعهم وولاءاتهم وكيفية تصويتهم.

لقد آن الأوان ان نحطم الأصنام التي بنيناها طوال عقود وسجدنا لها، حباً بموقع ورغبة بالحصول على مساعدات مالية.

على الجميع ان يرروا ان كانوا يرغبون بالحفاظ على عائلاتهم وايمانهم ومبادئهم الانسانية. وعلى المسلمين بالتحديد ان يدركوا انهم غير معصومين من التغييرات الجذرية التي يسعى حزب العمال الى فرضها على المجتمع الاسترالي بأسره.

علينا ان نختار بين الحياة بحرية او ان نقبل العبودية المطلقة التي سوف تحولنا الى مجرّد ارقام لا قيمة لها.

فحزب العمال لم يعد حزب المستضعفين في استراليا. لقد تحوّل كحزب الخضر الى قوة تغيير لاستعباد المواطنين.

لذا علينا ان نمنع وصوله الى السلطة وان نحوّل مناطق غرب سدني الى قوة فاعلة للحفاظ على النظام الديمقراطي الحر والمتعدّد الثقافات، ولفك اسر استراليا من المصير المشؤوم الذي ينتظرها.

وانا ادعو كل المؤسسات الدينية الشرق اوسطية الى معالجة هذه القضايا بجدية واتخاذ موقف مشترك حولها، بغض النظر عن المصالح الآنية الصغيرة.. وإلا «على الدنيا السلام».

pierre@eltelegraph.com