وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»

< الرسائل أنواع  والمُرسِلون  رغبات  والمرسَلُون  لهفة مؤجلة .. بهذه الثلاثية  المعمرة  «  رسالة ? مرسِل ? مرسَل إليه «   احترق التاريخ الإنساني   شوقاً وكشفاً .. ونبت  الريش على  أجنحة التواصل  الإنساني ، فالرسالة  خطاب إنساني يتجاوز اللغة والبريد  وتعقيدات  الفضاء  في إختراق الأفق  العام  لتبادل الأراء  .
الرسائل  نيّة إنسانية مكتوبة  وقيمة  في التواصل  مع الآخر ، وتكرار الوجود الانساني بصيغ مختلفة ..
وتعدّ  الرسائل من فنون النثر القولية , عرفها العرب  والعالم  منذ القدم وهــي مثل فنون النثر الأخرى القصة ,المسرحية, السيرة الذاتية  أدب الرسائل .   فالمرسِل دائما  على صلة معينة  مع المرسَل لتقوم الرسالة بمهمة  البوح والاعلان والفضح والاخبار والتنبيه والتحذير ، وتصل مهمة الرسالة  الى القتل الرمزي أحيانا ..ولا يمكن للرسالة أن تؤدي دورها المطلوب دون وجود جملة من العوامل المساعدة لتحقيق  الغرض الى أقصاه ، وهو ما يسمى بفضاء الاتصال « آليات حركة الرسائل» بين طرفيها ..
وأهم ما  في الرسائل الانسانية  هو نقصها الذي يعني محاولة لاكتمال المشاعر مراراً  ، فكأن الرسالة على حد تعبير الغزالي ؛ «نقص الكون هو عين كماله»  لذا فإن الرسالة لا تؤدي دورها كاملاً في الغالب  وتبقى مفتوحة لاحتمال ورود رسائل أخرى  لتسد  الاعوجاج في الرؤيا وتفسير القصد ، وكأن اعوجاج الرسالة  جزء من بينتها «  إعوجاج القوس عين قوته « ..
جاء في بعض الكتب المختصة بالاثار عن وسائل التعبير عن الحب في الحضارات القديمة ومنها حضارة وادي الرافدين إن اول رسالة حب في العالم كتبت في بلاد الرافدين مع بزوغ فجر التاريخ،
حيث وجدت الرقم  الطينية التي تكشف عن كيفية ممارسة الحب بين الرجل والمرأة في حضارات العراق القديم بكتابات مسمارية استطاعت توضيح مايود الرجل ايصاله الى المرأة وبالعكس..
ومع ظهور أقدم الحضارات اخذت مشاعر الحب تشكل أحد مظاهر السلوك الحضاري للأنسان..
ففي حضارة وادي الرافدين نجد في ملحمة  كلكامش  مواقف غرامية بين كلكامش (البطل)وعشتار(الألهه) إله الحب والجمال..
كما يقدم شعر الغزل السومري نماذج واضحة للمشاعر العاطفية التي كانت سائدة في ذلك العصر، وتعتبر قصة (سمير اميس) الآشورية ويعني اسمها (محبوبة الحمام) لان الحمام رمز للشوق والمحبة من قصص الحب في العراق القديم ، وقد امتزج الحب في العراق القديم بالسحر والتعاويذ وعثر على نماذج من تعويذات لاستمالة الحبيبة وهو اقدم نص ادبي في الحب في العالم»
، وقد تكون أول رسالة حب في التاريخ كتبت في بلاد الرافدين كما ترشدنا بعض المصادر التاريخية ،
وهذا نمط جميل من الرسائل موضوعة  حقل العواطف واشتعالها بالوجد والغرام ، رسائل لا تعرف حدود الزمان والمكان ، تعيش لحظتها المشتركة خارج زمن العالم  ولم تقتصر رسائل العشق والغرام والحب على الطريقة النثرية في كتابة  الرسائل بل قد تتخذ الشعر اوالرسم اوالعلامات لطرق للتعبير عن  الهواجس واللواعج  ومراجل القلوب وهي تغلي من اجل انتاج كلمات تليق بالحالة الشعورية واللاشعورية التي تنتاب العاشق حينها وهو ينهمر على الورق ليسكب روحه قبل كلماته ..
رسائل الحب تتخطى المميزات الشكلية لكل الرسائل السابقة ، وتحتفظ لنفسها بخصوصية مميزة وهي الاختلاف والتباين الشديدين  بينها ، لان مواضيعها غاية في الخصوصية والفردانية ، كما أنها رسالة مشاعر وهيام ولحظة وجد وهيام وفوران عاطفي ـ فليس لها قانون  ثابت او ديباحة ما ، كما انها تتخلص من ضغط الشكليات  وضرورتها في بقية الرسائل .. انها نمط من الاختراق الوجداني لإصول المراسلات كافة .. ولعل هذه الرسائل  تعتبر الميدان الخصب لاشاعة ظاهرة التفرد والجنون والعبث واللانظام  في خلق هكذا خطابات .. فقط يكتب العاشق بدمه رسالة تعبيرا عن حبها وقد تكتب العاشقة بدموعها أو  بقلم  احمر شفتيها  والوانها الصارخة والمتناقضة للتعبير عن وجدانية موقفها في لحظة كتابة الرسائل ..
ولعل هذا الحقل  يحفل بطرائف عديدة عن نمط وطريقة كتابة مثل هذه الرسائل . وكذا فأن هذه الخطابات لا يحكمها اي شرط خارجي سوى شرط  حالتها الخاصة ، فقد تكون الرسائل برمتها إشارة إصبع او رمشة عين ، او همزة لسان او شفة .
ويشير الباحث عبد المجيد عبدالغفور الى « منذ ان وجد الانسان وجد الحب ومنذ هبط ادم وحواء الى الارض مارسا الحب وقصتهما تعبير صادق عن اول شعور بالحب احس به شخصان.. فالحب شعور انساني يتأثر بنوازع النفس ويولد في الطبيعة ويتعايش مع العرف الاجتماعي وهو شعور مقدس في الديانات البدائية وفي الحضارات المتطورة معا.. ومع ظهور اقدم الحضارات اخذت مشاعر الحب تشكل احد مظاهر السلوك الحضاري للانسان…. كما يقدم شعر الغزل السومري نماذج واضحة للمشاعر العاطفية التي كانت سائدة في ذلك العصر
ولقد افرد الشعراء والادباء  والكتّاب كتباً كثيرةً  عن هذا النمط من الأداء .