بقلم سميرة سلامة
وصلتني المقالة الآتية قضية الساعة من صديقة التلغراف سميرة سلامه.
راعني مأساة قتل الجد بيتر ماينز لزوجته وابنته واحفاده الاربعة المصابين بمرض التوحد واقدامه على الانتحار خلال عطلة الاسبوع .. ولا تزال الشرطة تجري التحقيقات وترجّح ان الجد خطّط للجريمة البشعة منذ فترة وربما دوافعها صعوبة رعاية اربعة اطفال مصابين بالتوحّد.
وصدر يوم الاثنين الماضي تقرير رسمي عن التوحّد Autism يحمل عنوان «لغز مرض التوحّد للكثيرين» . » مفاده ان شخصاً واحداً من كل مئة مصاب في استراليا بالتوحّد.. وان معظم الاستراليين يجهلون كيف يدعمون ويساعدون شخصاً مصاباً بهذه الإعاقة مدى الحياة.. ويؤثر المرض على كل شخص بطريقة مختلفة .. فهو يجعل من الصعوبة الجمّة من المصاب به ان يتواصل مع نفسه ومع العالم الخارجي.
ويضيف التقرير ان 20 في المئة يعتقدون ان المصاب يلجأ الى العدوان والعنف.. و45 في المئة يعتقدون انه يمكن الشفاء منه.. وقال 40 في المئة من عائلات احد المصابين بالمرض قد فقدوا اصدقاءهم وان الناس يخشون منهم .. وقال 29 في المئة فقط انهم يعرفون كيفية التعامل مع شخص مصاب بالمرض.. في حين 4 في المئة فقط من المصابين قالوا انهم يتلقون الدعم الكافي من المجتمع.
والقصة الآتية لأم عربية مصاب ابنها بالتوحّد.. وكيفية التعامل معه.. فالدنيا مدرسة كبرى نتعلم بها ونعلّم.. فإنه من الصحيح ان ارواحنا في هذه الدنيا لا تتشابه ولكن هناك روح لا غنى عنها يختار الله حبنا العارم لها.. وفيها يكمن سر جمال الحياة التي محورها الحب والإيمان.. فإن الإيمان الذي هو منبعه المحبة قادر ان يغيّر كل شيء .. فإن اعظم الوان المحبة هي حب الأم لطفلها.
والقضية الآتية شاهدتها لأم عربية في فيديو وهي لوحة حيّة تجسّد ما اقول:
رزقت الأم بالطفل المعاق مصاب بمرض التوحّد يعيش في عالم منعزل آخر.. قال الأطباء انه لا علاج له .. اصيبت الأم بالاكتئاب الحاد غارقة في احزان مأساتها.. تندب حظها التعيس وتنتحب.. وفي عيونها تجري من الأسى دموعها كل ليلة كالنهر وهي تحتضن طفلها.
طالما تصوّرت ان المرض الكاسح وحشاً توّد ان تقتله وتخلّص العالم من شرّه.. اخذت الأم تطلب من الله ان ينهي حياتها بالموت وتخلص من هذا العذاب الأليم.. ولكنها تراجع نفسها وتقول : «لمن اترك ولدي المسكين، فلتأخذ يا ربي روحي وروحه سوياً».
ولكن مع مرور السنين بعد ان تعبت وزهقت من الحزن والاكتئاب رأت ان لا تظل اسيرة عذابها وعثرت على العبارة السحرية .. تهديها الى كل ام لديها ابن مصاب بالتوحّد.. «الرضى والقبول بما خلقنا الله مختلفين عن بعضنا». وفعلاً غيّرت الأم بالإيمان دفّة حياتها واصبحت قانعة وراضية بما قسمه الله لها.. تغني مع ابنها وترقص «شو حبيبي كل شيء فيك حلو» .. واستبدلت حياة التعاسة بحياة السعادة .
انتهت قصة عذاب هذه الأم واثرت بنفسي تأثيراً كبيراً حتى ابكتني.. فإن الأغنية «شو حبيبي شكلك حلو» رأت النور من رحم حياتها الجديدة.. فتحية حارة الى هذه الأم في حبها العارم بلا مقياس ولا معيار لإبنها المسكين الذي يوجع القلوب ويزعزعها حزناً على حكم الأقدار.. ولكن بجمال روحها الذي يبهر الأنظار رأت ان الرضى والقبول بالإيمان بما قسمه الله لها هو السعادة المرتجية من مشوارها القصير على ارض الاحزان.
أما انا فرزقني الله بثلاثة اطفال هم رجائي في هذه الدنيا .. وقرة عيني ومن فضل ربي انهم بصحة جيدة سليمة من الناحيتين العقلية والجسدية.
ولكن خوفي من ان اكون قد اخذت نصيبي من مشوار حياتي واتمنى من اعماق فؤادي ان يكون لي مكاناً في الجنة بإيماني مثل تلك الأم التي حجزت بعملها وايمانها مكاناً في الجنة.
واقول لها «ثقي يا سيدتي ان الله منحك هذا الصبي المسكين ولا احد يتمنى هذه الأمنية وقد فتح لك باباً من ابواب الجنة .. بفضل إيمانك الذي لا يتزعزع.. وان الله منحك هبة الإيمان التي لا تقدّر بثمن».
«انا شخصياً يا سيدتي اعمل مع المتوحدين وادرك تماماً ما تعانيه» .. وارى رعايتي كل يوم لهم نعمة وحكمة وسعادة.. اتأمل في وجوههم واحس بهم واعيش بداخلهم.. وكأنني وهم كتلة موحدة من الأحاسيس الانسانية.. لأنهم للأسف ليسوا متوحدين فقط ولكنهم يعانون من اعاقة جسدية ايضاً.. اي مقعدين لا تتحرك فيهم الا عيونهم .
حينما اتعامل معهم ينظرون لي بعيونهم العطشى للحنان فأسكبه في قلوبهم .. واعرف انهم يشتكون بصمت من ظلم الدنيا وفظاعة آلامهم المبرحة.
هنا امتثل لله واتوسل ضارعة ان يحن على هؤلاء الاصدقاء الضعفاء .. ويساعدهم على تحمّل مشقة الحياة الصعبة .. حتى يتدفق الخير من بستان المحبة التي تجمعنا كبشر.
واقول في نفسي مناجية ربي : «يا رب اعطف على صوت ابتهالي وامنحني العافية حتى اقوم بواجبي الانساني في مشوار حياتي على الارض نحو هؤلاء المساكين الابرياء.. انتظاراً لموعدنا في السماء».
تعليق من محرر الشؤون الاسترالية
أشكرك أيتها الصديقة على مقالك فهو فعلا قضية الساعة.. فقد ألقت الباحثة الكبيرة كاثي فرانكلين كلمة في مؤتمر الطب النفسي الذي عُقد أمس الخميس في سيدني قالت فيها أن الأطباء النفسانيين في حاجة ماسة للتدريب وتوسيع المعرفة عن المصابين بالتوحد من كبار السن.
فإن المصابين معرضون للوقوع في أنياب المرض النفسي وهناك حاجة قصوى لعلاجهم .. فإن التوحد ليس مرضاً نفسانياً ولكن المصابين به يقعون على حافة الوقوع في أنياب المرض النفسي ويجب تقديم الخدمات السريعة.