حملت الساعات الـ 48 الماضية استنفاراً انتخابياً لافتاً، في ظل مؤشرات تَشي باحتدام المعارك على جبهة المرشحين اكثر فأكثر في الفترة الفاصلة عن موعد إقبال الناخبين على الاقتراع في 6 أيار المقبل. وقد سلك الخطاب الانتخابي مساراً إنحدارياً بعيداً من اجواء الرقي والحضارة، وعلى نحو لم يشهد له لبنان مثيلاً في تاريخ الانتخابات. فما يقوم به فريق السلطة في كل المناطق، هو محاولة مكشوفة لقلب الحقائق واستغلال النفوذ على كل المستويات والصعد. إلّا انّ ذلك لن يبدّل حتماً في اقتناعات الناخبين الذين أخذوا خياراتهم، ما هال أهل الحكم، فلجأوا الى استغلال كل الامكانات المتاحة امامهم والى تسخير بعض الاجهزة الامنية والادارية للضغط بغية تغيير هذه الخيارات. ولكن فاتهم أنّ 6 أيار بات قريباً، وأنّ الناخبين لن يتأثروا بكل محاولات الترهيب والترغيب ولن يخضعوا للإغراءات بل سينصفون من وقف الى جانبهم.

قبل أقل من أسبوعين على موعد الانتخابات، تنقّلت حوادث أمنية بين الشمال والجنوب، وتمثلت باعتداءات وتضييقات على بعض المرشحين.

ففي بلدة بلانة الحيصا – عكار، قطع شبّان الطريق العام الدولية بالاطارات المشتعلة، احتجاجاً على زيارة مقررة للواء اشرف ريفي للبلدة في إطار جولة انتخابية له مع المرشحين في لائحة «لبنان السيادة» التي يترأس، الأمر الذي تسبب بتوتر في البلدة بين مناصري تيار «المستقبل» ومناصري ريفي، تخللته مشادات كلامية وتراشق بالحجارة.

وجنوباً، أشارت لائحة «شبعنا حكي» في بيان، الى «تعرّض المرشح عن لائحة «شبعنا حكي» (الزميل) علي الأمين للاعتداء من أكثر من 40 شاباً ينتمون الى «حزب الله» في بلدته شقرا، أثناء نزوله الى الشارع لمشاركة شباب حملته الانتخابية في تعليق اللافتات والصور، في اعتداء سافر ومهين على مرشح لانتخاباتٍ يُفترض أن تكون ديموقراطية، وهذا ما يعكس تخبّط قوى الأمر الواقع وعدم قبولها بأيِّ تغيير في مناطقها». وتلقّى الأمين العلاج في مستشفى تبنين الحكومي، بعدما أصيب بجروح ورضوض وفقدان عدد من أسنانه».

وفي الشويفات وقع إشكال مساء امس، تطور إلى اشتباك بالأسلحة الرشاشة بين عناصر من حزبين في المدينة.

وعلى الفور، تواصل «الحزب التقدمي الاشتراكي» مع قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، لضبط الوضع وإعادة الهدوء إلى المنطقة. وعمل مسؤولون في الحزب وفي «الحزب الديموقراطي اللبناني»، على تطويق الحادث والحؤول دون تطوره.

ميقاتي

في هذا الوقت، قالت أوساط الرئيس نجيب ميقاتي: «على مسافة اسبوعين من موعد اجراء الانتخابات يبدو أنّ تيار «المستقبل» قد فقد أعصابه. يتحدثون عن لوائح بشّار الاسد في الوقت الذي ينسجون تحالفات اقل ما يُقال فيها انها تحالفات غريبة عجيبة. لائحتنا ليست في موقع الدفاع عن النفس، وهم آخر من يحقّ لهم الحديث عن الهويات السياسية، ويفترض بهم ان يقدّموا هم جردة حساب عن أدائهم في السلطة عن الفترة الماضية، والفترة الراهنة خلال العملية الانتخابية».

واضافت هذه الاوساط: «لقد هال «المستقبل» التعاطف الكامل مع الرئيس ميقاتي في طرابلس فدأبَ على تسريب اخبار غير صحيحة، في محاولة مستمرة لتزوير الحقائق، وليس آخرها التسريب عن انّ زيارة الرئيس ميقاتي الى القلمون للتضامن مع نزار زكا لم تكن ناجحة وأنه انتقد أهاليها، وهذا الكلام غير صحيح وهو للدسّ والافتراء ليس الّا.

فالرئيس ميقاتي زار القلمون لدعم إطلاق نزار زكا من ايران والتصريح واضح في هذا الموضوع، وتسريبات «المستقبل» لا تقدّم ولا تؤخّر لأنها محاولات مكشوفة من السلطة، وأكبر دليل الى خوفها من نتائج الاقتراع وما يفعله «المستقبل» لن يغيّر في قناعات داعمي «لائحة العزم».

«القوات»

وعلى خط العلاقة المأزومة بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، قالت مصادر «القوات»: «انّ بعض القيادات في «التيار» وهي معروفة، تعيش عقدة الالتفاف الشعبي حول «القوات» نتيجة ممارستها المستقيمة وطنياً وسياسياً ودستورياً ونيابياً وحكومياً، فقررت مهاجمتها بغية شدّ عصب سياسي في مواجهة «القوات» وتضليل الرأي العام لضرب صورتها السياسية لديه.

فكل هذا الهجوم غير المبرّر سياسياً هدفه ضرب صدقية «القوات» لأنّ بعض القوى داخل «التيار الوطني الحر» رأت انّ هناك شعبية واسعة لـ»لقوات»، وارتأت أنها تستطيع عبر مهاجمته الحَد من واقعها الشعبي. بعض قادة «التيار» يعتمدون سياسة تضليلية بالهجوم على «القوات»، فغير صحيح:

? أولاً، لأنّ «القوات» تتهجّم على «التيار»، بل تقارب موضوعياً كل الملفات. لقد وضعت ملاحظاتها على مسألة تتعلق بوزارة الاشغال واعترضت قبلاً على تلزيم البطاقة البيومترية بالتراضي وتحدثت عن موضوع الميكانيك. ولذلك عندما تتكلم عن الكهرباء فلأنه ملف «حرزان» يكبّد الدولة خسائر سنوية كبرى وحلّه يشكّل مدخلاً اساسياً لكل اللبنانيين، وعندما تتحدث عن هذا الملف تتحدث بلسان جميع اللبنانيين الذين يعتبرون انّ الامور في هذا الملف غير مستقيمة.

و»القوات» لم تقل انّ «التيار» سارق ولم تتهمه اتهامات محددة، بل اكدت انّ من مصلحة العهد ان يلتزم «التيار» ورئيسه الوزير جبران باسيل بملاحظات إدارة المناقصات لأنّ هذا الملف تحوطه الشكوك، وتبديدها يكون من خلال التزام ادارة المناقصات، ولكن للأسف ما زال بعض قادة «التيار» يتنطّحون ويسعون الى تطبيق مخططهم الذي ترفضه شريحة عظمى من اللبنانيين، فضلاً عن معظم مكونات الحكومة.

? ثانياً، نحن لا نعلم لماذا يهاجم «التيار» «القوات» على موقفها من ملف الكهرباء؟ ولماذا لا يهاجم «حزب الله». هل لأنه حليف الحزب؟ ام لأنه يخشاه ويهابه ويخاف منه؟ موقف «القوات» لا يختلف اطلاقاً عن موقف «حزب الله»، موقف الحزب ضد ملف الكهرباء وقد عبّر عن رفضه مراراً وتكراراً وأكد انه ضد مسار الكهرباء ولم نر «التيار» يتهجّم على الحزب، هل لأنه يخافه؟ يبدو ذلك. ام انّ لديه مصلحة مباشرة معلومة معه في هذا السياق؟.

? ثالثاً، الهجوم على ما تحقق «قواتيّاً» واضح. «القوات» حققت ونجحت، والتفاف الرأي العام حولها، خصوماً وأصدقاء، يظهر انّ المسار الذي سلكته كان في محله. من المؤسف ان تستخدم مقدمة محطة محددة ناطقة باسم التيار «الأورنجي» تعابير وأدبيات من هذا النوع، كأنّ هناك من يريد العودة الى ما قبل المصالحة ونبش القبور من ضمن سياسات عوّدونا عليها للأسف.

لكن كـ»قوات» نحن متمسّكون حتى النهاية بالمصالحة ولا عودة عنها، ونعتبر انّ هذا الهجوم يعبّر عن أزمة سياسية يعيشها «التيار»، وعندما بدأ يتلمّس تراجع شعبيته لدى الناس بدأ يتخبّط يميناً ويساراً في الهجوم على كل القوى السياسية لتصوير وكأنه مُستهدف من الجميع فيما هو يستهدف الجميع زوراً وبطلاناً».

وكانت محطة الـ»أو تي في» قالت: «الى ما قبل النوايا والاتفاق، لن تعود عقارب الساعة، أمّا عقارب اللسع السياسي، فلم تتوقف منذ تشكيل الحكومة»… على أرض لبنان كله، لا جهة سياسية فاسدة إلّا «التيار الوطني الحر». وفي شعب لبنان كله، لا شريحة تؤيّد الفساد في السياسة، الّا العونيين. طبعاً، كررت «القوات» أنّ الأمر غير صحيح.

لكنّ الأمرَ عند الرأي العام، كان أكثر من انطباع. لماذا لم تُهاجم «القوات» منذ تشكيل الحكومة، إلّا «التيار»؟ لماذا لم تَكشف ما رأته مخالفات، وما اعتبرته خروجاً على القانون، إلّا في الوزارات التي تَسَلّمَها التيار؟ وهل مِن لبناني يصدّق، انّ فريقاً وطنياً كان منفياً، وخاض نضالاً طويلاً عريضاً، تُوّج بانتخاب رمزه رأساً للدولة، مستعد للتفريط بكل تاريخه وحاضره، وحتى المستقبل، بممارسات فاسدة، كما تُروّج «القوات»؟ حتى نُصَدّقكُم، تجرأوا على الاشارة الى وزير مخالف واحد خارج وزراء «التيار»، يقول العونيون، ومعهم جميع اللبنانيين: حتى نتفهّم ما تقولون، سَمّوا جهة سياسية واحدة تخرج على القانون، غير التيار».

«التيار» ـ «أمل»

الى ذلك، تجددت الأزمة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» التي صَوّب رئيسها نبيه بري في اتجاه رئيس «التيار» من دون ان يسميه، فاستغرب «الإستفاقة المتأخرة عند البعض حول ما يدعون به تحت ذريعة تحصيل حقوق المسيحيين في التمثيل النيابي في الجنوب»، ولفت الى أنه «في العام 1992 كان أوّل من طالب بأن يكون لمسيحيي الجنوب، وخصوصاً في المناطق الحدودية أكثر من مقعد نيابي».

وقال: «ليعلم الجميع، وخصوصاً أولئك الذين يقومون بسياحة إنتخابية وينفخون في أبواق الفتنة، بأنّ الجنوب بكلّ قراه هو صخرة للوحدة الوطنية والعيش المشترك، وأيّ رياح طائفية موسمية لن تمر ومن يحمل فيروسات مذهبية نقول له ازرعها في مكان آخر، فلا الجنوب ولا لبنان يحتمل هذا المرض القاتل والمميت للجميع، الجنوب كان وسيبقى الرئة التي يتنفّس منها كل لبنان وحدة ومنعة وعيشاً واحداً ومقاومة لكل المشاريع الفئوية الضيقة».

«التيار» ـ الكتائب

في الموازاة، ظلت جبهة «التيار الوطني الحر» حزب الكتائب مشتعلة، ففيما قال باسيل ان «ليس نحن من عمل على وضع جبل النفايات بل وَرثناه، ونحن من يعمل على المعالجة»، وتبعه النائب ابراهيم كنعان بالتصويب على «الكتائب» معتبراً «انّ نبض الكذب ليس أقوى من الحقيقة لأنها أقوى، و»التيار» هو من صَوّت ضد مَكب الموت في برج حمود وضد خطة النفايات»، رفض رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل الرد على كلام باسيل، لكنه دعاه الى «مناظرة علنية». كذلك دعا جميع رؤساء الاحزاب الى مناظرة «لتكون الحقائق واضحة امام اللبنانيين».

المستقبل ـ الاشتراكي

وعلى خط العلاقة بين تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، وفي محاولة ترقيعية، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق من بشامون انّ «تاريخنا واحد مع وليد جنبلاط وتحالفنا لن ينفكّ لأنه معمّد بالدم، وعروبتنا واحدة مهما فعل الآخرون، والغيمة ستعبر، وسيظل للمختارة و»بيت الوسط» عنوان واحد لا عنوانان، وهو شهداء القهر والظلم»، لافتاً الى انّ «معركة بيروت سياسية بامتياز وليست معركة انتخابات».