بقلم مارسيل منصور
يساورني القلق على بعض شعراء وأدباء هذا العصر في جاليتنا الأسترالية العربية ، خصوصا من بعض هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم حاملي مشعل الثقافة ، مما يدعو إلى العجب والاستغراب ! إذ أصبح من المألوف في المناسبات الثقافية المتكررة أن يرصوا كلماتهم رصا على غير هدى أو عن غير قصد أو بسبب الافتقار إلى المعرفة ، فيستنبطون لها معان زائفة لا تمت إلى المعنى الحقيقي بصلة ، بل يصفون الألفاظ وفق سلوكهم وطرائق عيشهم . وفي جميع الأحوال تراني أتعجب من هؤلاء الذين يدسون أنوفهم في تأويل النصوص الدينية على أمزجتهم ، ويعز علي أن أشهد او أسمع بعضا من تلك المغالطات الثقافية وألتزم الصمت .
فقد لاحظت على مرالسنوات الاخيرة ، والتي كنت قد حضرت أو سمعت أو شاهدت خلاها بعضا من نلك المناسبات الثقافية ، فرأيت أن الواحد من هؤلاء الأدباء والشعراء على السواء يستشهد بالأحاديث والآيات من الكتاب المقدس بنوع من المغالطة الثفافية ، إذ يقول « في البدء كانت الكلمة « بصيغة المؤنث ويسترسل في حديثه كما يحلو له ، وأن يمر على الآية مرورالكرام دون ذكر مرجع الاقتباس أو حتى وضعها بين قوسين !… والأغرب من ذلك حدوث هذه المواقف الضالة في وجود البعض من رجال الدين ! أليس عجيبا أن لا يتدارك رجال الدين مغالطة الادباء والشعراء سهوا أو غير ذلك ؟ وإني هنا لست في صدد النقد الهدام ، ولا أبغي أن أسيء إلى أحد من هؤلاء الادباء أو رجال الدين ، خصوصا وأنني كنت شخصيا قد علقت على هذا الموضوع سابقا مع البعض وجها لوجه . ولذلك رأيت هذه المرة أن أصحح هذا الخطأ كتابيا لعل البعض يقرأه ويستنير من أجل المعرفة ، وإن كنت بالطبع غير ضليعة مثل الكهنة المتخصصين في علم اللاهوت ، وإنما تتلخص معرفتي من خلال دراستي ثلاث دبلومات في اللاهوت من مصادر مخنلفة وفي أوقات متفاوتة خلال حياتي ، إلى جانب تعليمي الأكاديمي في كل من الادب والثقافة والفنون . وكم أود هنا أن يقع مقالي هذا في أيدي أحد من الكهنة الموقرين وأن يقوم بالتفسير المسهب والتوضيح المتقن من أجل الإضاءة .
وحسب معرفتي ومعلوماتي المتواضعة رأيت أن أنقل للقارئ التعبيرألصحيح المتعارف علية في إيمان الدين المسيحي وهو : « فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ.» (يوحنا 1: 1). وألآية الكاملة هي : « في الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.» (يوحنا 1: 1) . «الكلمه» : هنا معناها «المسيح» له المجد . وقد جاء استعمالها بصيغة المذكر وليس المؤنث ، لأن المقصود بها ليس المعنى الحرفي لكلمة (الكلمة ) التي نتداولها في حياتنا اليومية على الإطلاق ، وإنما المقصود هو المعنى الديني والروحي باعتباره المحور الأساسي التي ترتكز عليه الديانة المسيحية.
وفي مصطلح الْكَلِمَةُ. «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ.» : الأمر المهم الذي نعرفه عن «الْكَلِمَةُ» يوجد في الآية 14 «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.» (إنجيل يوحنا 1:14) .» تشير «الْكَلِمَةُ» إلى يسوع المسيح له المجد . وربما يسأل سائل : لماذا «الكلمة»؟ والإجابة على هذا السؤال: لان كلمات المسيح كحق الله وشخص المسيح كحق الله في طريق موحَّد، إنّ المسيح نفسه في مجيئه وعمله وتعاليمه وموته وقيامته كان رسالة الله النهائية . لأن المسيح قال «أَنَا هُوَ الْحَقُّ» : (يوحنا 14: 6 ) وتلخص إعلان الله عن المسيح له المجد بالاسم : هو «الكلمة» ، الأول ، والأخر، الغير محدود ، اللانهائي ، الحق المطلق . وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ.» دُعي «المسيح» «كَلِمَةَ اللهِ» ، عندما يعود إلى الأرض .
فالآية: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ.» هذا هو جوهر العقيدة التاريخية العظيمة للثالوث ، لأن المسيح: رسالة الله النهائية والحاسمة .
أرجو أن يكون مما سبق شرحه قد أوصل المطلوب باختصار شديد ، ولا بد في الختام أن أذكر أنني أعتقد عقيدة راسخة بأن الأديب أو الشاعر المثقف الحقيقي ، هو وحده الذي تقلقه المقاييس الثقافية ، وأن لديه مسئولية مهما كانت ديانته أو معتقدانه ، لأن له رسالة مهمة وعليه أن ينقلها للمتلقي بأمانة ، خصوصا إذا كان يستشهد بدلائل عن طريق الاقتباس من الكتب السماوية المقدسة ، وذلك لأنه يشارك المجتمع الذي يعيش فيه أفكاره النزيهه وثقافته الراسخة والخالية من كل شوائب.