يحيى السماوي

لي رأي شخصي مفاده أنه : لا  أخطر على الثقافة من الطارئين عليها، ولا على الأدب من أدعيائه … فكم من جاهل يدّعي المعرفة وهو فيها  ليس أكثر من واو « عمرو» التي  تُكتب ولا تُلفظ، فهو زائد كالزائدة الدودية، شأنه في ذلك شأن « سحلية اليربوع» التي نظرت  الى حجمها بمرآة محدّبة فتصوّرت نفسها  تمساحا !!

وإذا كان رأيي هذا لا ينطبق على كثيرين من أدعياء المعرفة، فإنه ينطبق على النرجسيين منهم، بما فيهم الذين لا يُميزون بين الشعر والشعير أو بين فقه اللغة وفقه الدراويش!

قبل أسابيع وصلتني رسالة من سيدة ليس لي بها سابق معرفة، طالبة مني رقم هاتفي لأمر وصفته لي بالضروري، وإذ أرسلتُه، هاتفتني مبتدئة حديثها بامتداحي إنساناً وأديبا، فقالت عني ما لم تقله العرب في الحسن البصري، ومن ثم بدأت التهجّم على أديب قسّ يبدو أنه ارتكب حماقة تكليفها بتصميم غلاف أحد كتبه، ولم تكتفِ بذلك فتطاولتْ ـ سُباباً وانتقاصاً وغمزاً بالشرفـ على سيدة فاضلة أولت اهتمامها بأدب المهجر، لا لذنب سوى أنها لم تعمل على تكريمها في مناسبة من مناسبات الإحتفاء ببعض أدباء وفناني المهجر الأسترالي، الأمر الذي جعلني أنْهَرُها مُديناً سلوكها هذا، وسلوكاً شائناً آخر أقدمت على ارتكابه في حفل توقيع مجموعة كتب للأديب القس، بإقدامها على ضرب الطاولة بالكتب أمام  مئات الحاضرين بما فيهم غبطة المطران « مارميلس زيّا» الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في أستراليا ونيوزيلندا، ولسبب تافه هو أن المؤلف لم يذكر أن غلاف أحد كتبه من تصميمها، فكان أن قلت لها بالحرف الواحد:   إنّ أخلاقي لا تسمح لي بسماع كلام بذيء عن الآخرين والطعن بهم  وددت أن أعمل بقول أبي العلاء المعري:

ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً .. تجاهلتُ حتى ظُنَ أني جاهلُ.

أو أن أعمل بالحكمة القائلة : «  لا تجادل الأحمق ، فقد  يُخطئ الناس في التفريق بينكما»!

لكن خشيتي من أن يتوهم «اليربوع» نفسه « تمساحاً»، حملتني على إزالة المرآة المحدّبة من أمامه!

قرأت اليوم مصادفة، مقالة للسيدة المعنية متضمنة  غمزاً مني لأن كلمتي في حفل توقيع الكتب وردت  فيها جملة ـ غير محصورة بين أقواس هي جملة: في البدء كانت الكلمة. ولأنني أعني « الكلمة»  بذاتها لكون الحفل يتعلق بتوقيع  كتب أدبية وليس بحفل قداس كهنوتي أو خطاب في أبرشية أو موعظة في كنيسة، منطلقاً من فهمي كمسلم لقول الله تعالى في القرآن الكريم : ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))  يس/ 82 ودلالة الآية لا تقبل اللبس، فهي تعني أن الكون ابتدأ بكلمة « كن»  بأمر الله، لذا فإنني لم أحصر الجملة بين أقواس، وبالتالي فلا علاقة لها بالنص الإنجيلي، فأين الخلل في تأنيثي الفعل الناقص « كان» لكونه متعلقا بمؤنث هي « الكلمة»؟ وأين تحريفي للإنجيل؟

لقد استشهدتُ بآيات من القرآن الكريم وبعض نصوص  الكتاب المقدس فحصرتها بين أقواس … وأما غير المحصور بين أقواس فهو إنشاءٌ ذاتيّ محض له علاقة بالأدب وليس بغيره، وبالتالي فلا علاقة له بالنص الكهنوتي.

وعلى افتراض أن جملة « في البدء كانت الكلمة» غير صحيحة لغويا ـ وهو مجرد افتراض لا يأخذ به حتى حمار جحا ـ فهل السيدة المعنية مؤهّلة لمناقشتي في فقه اللغة وهي التي لا تجيد استخدام حروف الجر فكتبت « وإني هنا لست في صدد النقد الهدام” بينما يُفترض بها أن تكتب « بصدد» لأن حرف الباء هو المختص بالمصاحبة والإستعانة  وليس « في « المختصة بالظرف؟ وتكتب الهمزة المرفوعة على الألف كما في المضارع المقرون بالضمير المتصل  «يقرأه» وليس «يقرؤه»؟ بل ولا تعرف تمييز العدد ـ مع أنه من مواد الصف الأول المتوسط فكتبت «أحمل ثلاث دبلوامات» وليس ثلاثة دبلومات!!!

حاملة الدبلومات «الثلاث / هكذا كتبتْ» إضافة الى شهاداتها الأخرى في قولها “الى جانب تعليمي الأكاديمي في كل من الادب والثقافة والفنون” تجعل صفة المذكر مؤنثا، فكتبت : « المقصود هو المعنى الديني والروحي باعتباره المحور الأساسي التي ترتكز» وليس  « الذي» يرتكز ..!

وإذا كانت السيدة حاملة كل هذه الشهادات، لا تجيد الإستخدام الصحيح لجملة الوصل والموصول، فهل هي مؤهّلة لتعليم الأعلم منها؟

ثمة سؤال غير عفوي: هل كانت السيدة ـ صاحبة الدبلومات « الثلاث / وليس الثلاثة» والشهادات الثقافية والأدبية ـ ستُعيبُ عليّ استخدامي الصحيح للجملة، لو أنني لم أنهرها مُديناً تطاولها على الأديب القس، ولم أردعها  لغمزها اللا أخلاقي من أخت جليلة فاضلة؟

صدق القائل: لا يجوز للعريان تعليم الناس الحشمة!

همسة في الأذن السليمة: أشهد الله على ما أقول :

حين أدنتُ تصرّفها برمي الكتب محدثة ضجيجا في القاعة لأن هذا التصرف أثار استياء الحاضرين، قالت بالحرف الواحد: «  كل الحاضرين لا يساوون عندي شيئا» فكان ردي عليها: أقول لك باختصار: أصغر الحاضرين هو عندي أعلى منك منزلة وأخلاقا .. ومع أنها اعتذرت قائلة: أنا لا أقصدك من بينهم ـ إلآ أنني أعدتُ عليها قولي: أصغر الحاضرين شأنا هو عندي أرفع منك شأنا ..

حقا، كنت مصيباً في قولي إنّ أصغر الحاضرين شأناً هو عندي أكبر منها منزلة وشأنا حتى لو  أنه لم يمسك بيده يوماً فرشاة أو قلما، فالإنسان بأصغريه وليس بثوبه أو دبلوماته!