تسعى الصين إلى استغلال التوترات المتزايدة بين أستراليا والولايات المتحدة من خلال إدماج رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، في حربها التكنولوجية والتجارية مع دونالد ترامب، وذلك عبر توسيع اتفاقية التجارة الحرة القائمة لتشمل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي.

ومع اقتراب زيارة ألبانيزي إلى الصين، دعا السفير الصيني في أستراليا، شياو تشيان، إلى تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، متماشياً مع تعهد حكومة حزب العمال برفع الإنتاجية الاقتصادية. يأتي ذلك بعد تحسن تدريجي للعلاقات الثنائية منذ انتهاء التوترات بين عامي 2020 و2022، التي شهدت فرض بكين عقوبات تجارية على صادرات أسترالية بقيمة 20 مليار دولار وتجميد الحوار السياسي.

وفي مقال بصحيفة Australian Financial Review، كتب شياو:

“على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وبفضل الجهود المشتركة، استقرت وتحسنت العلاقات الصينية الأسترالية، وحققت تحولاً شاملاً… والآن، حان الوقت لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام بخطى ثابتة.”

الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الأسترالي إلى بكين، والتي تستمر قرابة الأسبوع، ستتضمن لقاءات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء لي تشيانغ، إضافة إلى وفد رفيع المستوى من رجال الأعمال الأستراليين، مما يعكس تركيزاً واضحاً على التجارة والاستثمار.

ويُنظر إلى هذه الزيارة كإشارة ترحيب من أكبر شريك تجاري لأستراليا، وذلك في وقت يشهد فتوراً في العلاقة الأمنية مع الحليف الأكبر، الولايات المتحدة. فبينما توصلت بكين وواشنطن إلى هدنة هشة بخصوص الرسوم الجمركية، لا تزال الحرب الباردة التكنولوجية قائمة، في مجالات مثل المعادن الحيوية، السيارات الكهربائية، أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي.

في هذا السياق، تسعى الصين إلى تعزيز شراكات تجارية جديدة، بينما يستخدم ترامب الرسوم الجمركية كوسيلة للضغط على الحلفاء. وقد دعا شياو حكومة ألبانيزي إلى التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن مراجعة شاملة لاتفاقية التجارة الحرة الثنائية، التي بدأ تنفيذها في 2015.

وأضاف شياو:

“في الذكرى العاشرة لتطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وأستراليا، نحن مستعدون لمراجعتها بروح أكثر انفتاحًا ووفق معايير أعلى، من أجل تعزيز التعاون التقليدي في الزراعة والتعدين، واستكشاف فرص جديدة في مجالات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة الخضراء، والرعاية الصحية.”

من جانبه، حذر جيمس كوريرا، مدير السياسات التكنولوجية في معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، من مخاطر التعاون التكنولوجي العميق مع الصين، قائلاً:

“هذا قد يعزز اعتمادنا على سلاسل التوريد الصينية، ويجعلنا عرضة للتأثير السياسي أو الاقتصادي، كما حدث في مجالات مثل الألواح الشمسية والبطاريات. لا يمكننا تكرار نفس الخطأ مع الذكاء الاصطناعي.”
📌 Australian Strategic Policy Institute

جدير بالذكر أن اتفاقيات التجارة الحرة الحديثة أصبحت تشتمل على بنود خاصة بالذكاء الاصطناعي، كما حدث في اتفاقية الصين مع موريشيوس عام 2019، وكذلك اتفاقيات أستراليا مع المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، التي تضمنت شراكات في مجالات الابتكار والحكم الدولي على استخدام الذكاء الاصطناعي.

وتسعى الصين من خلال هذه البنود إلى تحصين شركاتها ضد القيود التي فرضتها أستراليا سابقاً، مثل منع شركة هواوي من المشاركة في مشاريع البنية التحتية لشبكات الاتصالات (NBN و5G)، وحظر تطبيق “تيك توك” من أجهزة الحكومة في عام 2023.

وتجاهل شياو في تصريحاته الضرر الذي لحق بالمزارعين الأستراليين جراء العقوبات الصينية، مؤكدًا أن الصين تظل سوقًا ضخمة ومستقرة للمنتجات الأسترالية مثل اللحوم والنبيذ وجراد البحر.

كما وجه السفير نداءً إلى أستراليا للوقوف إلى جانب الصين في مواجهة السياسات الحمائية التي يتبعها ترامب، داعيًا إلى تعزيز التعاون داخل الأطر الدولية كالأمم المتحدة ومجموعة العشرين وآسيان، من أجل حماية النظام التجاري العالمي.

وفي خضم هذه التحركات، ألقى ألبانيزي خطابًا أشار فيه إلى أن السياسة الخارجية الأسترالية يجب أن تستند إلى “الواقع الاستراتيجي” لا إلى “التقاليد”، وهو ما اعتبره البعض تلميحًا إلى رغبة في استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة.

غير أن بعض المحللين، مثل مايكل شو بريدج من مركز التحليل الإستراتيجي الأسترالي، اعتبروا أن خطاب ألبانيزي قد يُنظر إليه في واشنطن على أنه تباعد عن التحالف الأمريكي، بينما قد يُستقبل في بكين كنجاح في مساعيها لشق الصفوف بين الحلفاء الغربيين.

يُذكر أن ترامب قد فرض رسومًا جمركية بنسبة 10٪ على صادرات أسترالية إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم 50٪ على الصلب والألمنيوم، ما زاد من توتر العلاقات التجارية مع حلفاء واشنطن، ورفع من وتيرة التقارب الأسترالي الصيني.