فرص للتوافق الإستراتيجي بين الهند وأستراليا

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تبرز الشراكة بين الهند وأستراليا كأحد محاور الاستقرار الإقليمي، والتنمية الاقتصادية، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية. وخلال ورشة عمل نظمها المعهد الأسترالي للشؤون الدولية – فرع كوينزلاند (AIIAQ)، أكدت أمبيكا فيشواناث، الباحثة في “لا تروب آسيا” والممولة من وزارة الخارجية الأسترالية DFAT، على أهمية توسيع نطاق التعاون الهندي–الأسترالي من مجرد علاقات ثنائية إلى دور أوسع وأكثر شمولاً في تشكيل المبادرات الإقليمية في منطقة المحيطين.

تطور الشراكة بين الهند وأستراليا

ترجع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى عام 1941، إلا أنها لم تتحول إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد إلا خلال العقود الأخيرة. ففي عام 2009، تم رفع العلاقات إلى مستوى “شراكة استراتيجية”، ثم إلى “شراكة استراتيجية شاملة” في عام 2020، بما يعكس التزامًا مشتركًا بتعزيز التعاون في مجالات الأمن، الاقتصاد، والتنمية. وتشهد العلاقات التجارية نموًا ملحوظًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو 50 مليار دولار أمريكي في 2024، مع هدف مشترك للوصول إلى 100 مليار دولار بحلول 2030. وتشمل القطاعات الحيوية: المعادن الحرجة، الزراعة، التعليم، والخدمات الرقمية.

مجالات التعاون الرئيسية

أشارت فيشواناث إلى أربعة محاور رئيسية لتوسيع التعاون:

  1. تطوير أنظمة الإنذار المبكر للكوارث المناخية.

  2. تعزيز قدرات الاستجابة المشتركة للكوارث.

  3. بناء شراكات ثلاثية مع دول جزر المحيط الهادئ في مجالات الأمن الغذائي والمساعدات الإنسانية.

  4. الاستثمار في البحث العلمي والابتكار لتطوير بنية تحتية قادرة على التكيف مع التغير المناخي.

وتأتي هذه الجهود استجابة لمخاطر متزايدة تهدد دول المحيط الهادئ، والتي تعاني من هشاشة غذائية ومناخية شديدة.

العلاقات التعليمية والمجتمعية

تُعد الروابط الشعبية والتعليمية ركيزة أساسية للشراكة، حيث يدرس أكثر من 100,000 طالب هندي في أستراليا، بدعم من آليات مثل آلية الاعتراف بالمؤهلات التعليمية واتفاق الهجرة والتنقل المهني لعام 2023. وتساهم هذه المبادرات في خلق قوى عاملة ذات كفاءة عالمية تعكس القيم المشتركة.
كما يلعب الشتات الهندي المتنامي في أستراليا – والذي تجاوز عدده 800,000 شخص – دورًا محوريًا في السياسة، والمجتمع المدني، وريادة الأعمال، مما يعزز من مفهوم “الدبلوماسية الناعمة”.

الأمن الغذائي كمجال تكاملي

تشكل قضية الأمن الغذائي محورًا أساسيًا في التعاون الهندي–الأسترالي، خاصة أن دول المحيط الهادئ تعتمد على الواردات لأكثر من 70% من غذائها. وتمتلك الهند خبرة في الزراعة المقاومة للجفاف والممارسات المجتمعية، بينما توفر أستراليا تقنيات الري المتقدمة، والاستشعار عن بُعد، وسلاسل التبريد.
ويشمل التعاون دعم مشروعات زراعية مقاومة للتغير المناخي في فيجي، وفانواتو، وبابوا غينيا الجديدة، بهدف تقليل هشاشة الأنظمة الغذائية بحلول عام 2050، إذ من المتوقع انخفاض المحاصيل بنسبة تصل إلى 20% بسبب الجفاف والفيضانات.

العمل المناخي والانتقال الطاقي

برز العمل المناخي كمجال جوهري للتعاون. فبينما تملك الهند قاعدة صناعية متنامية وحاجة متزايدة للطاقة، تمتلك أستراليا احتياطيات من المعادن الحيوية وخبرات تكنولوجية. ويتعاون الطرفان في مجالات الطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر، وتخزين الطاقة، من خلال مذكرة تفاهم حول تطوير سلاسل إمداد المعادن الاستراتيجية.

وتشمل الاستثمارات المستقبلية مشاريع توربينات الرياح البحرية، الطاقة الحيوية، وإدارة شبكات الكهرباء، مع توقع أن تتجاوز الاستثمارات مليار دولار بحلول 2027. ومن المبادرات الرائدة: أكاديمية التدريب على الطاقة الشمسية على الأسطح، التي تستهدف تدريب 10,000 متخصص هندي بحلول 2026، بالتوازي مع شراكات بحثية تشمل أكثر من 15 جامعة.

دمج النوع الاجتماعي في المناخ والتنمية

أكدت الورشة أهمية دمج الاعتبارات الجندرية في استجابات المناخ، عبر مبادرات تشمل:

  • مشاريع الطاقة الشمسية بقيادة نسائية ضمن التحالف الدولي للطاقة الشمسية (ISA).

  • استهداف 30% مشاركة نسائية في أكاديمية الطاقة الشمسية.

  • نموذج المجموعات النسائية الذاتية التنظيم (SHG) الهندي لتعزيز مشاركة المرأة في المناطق الهشة مناخيًا.
    وتساهم أستراليا من خلال برامج مثل Strongim Bisnis، SOLKAS، CREWS، وWomen’s Weather Watch، التي تدعم جاهزية المجتمعات للكوارث، وتمكين المرأة في الأعمال الزراعية والقيادة المناخية.

نحو شراكة إقليمية شاملة

اختتمت فيشواناث الورشة بالتأكيد على أن التعاون في منطقة المحيطين “ليس خيارًا، بل ضرورة”، داعية الهند وأستراليا إلى تجاوز الأهداف الثنائية قصيرة الأجل نحو رؤية إقليمية مشتركة تركز على احتياجات جزر المحيط الهادئ. كما أبرزت أهمية الانخراط في المنصات متعددة الأطراف مثل:

  • التحالف الدولي للطاقة الشمسية (ISA)

  • مبادرة محيطات المحيطين الهندي والهادئ

  • مجموعة العمل المناخي لتحالف QUAD

  • تحالف البنية التحتية المقاومة للكوارث (CDRI)

من خلال هذه الآليات، يمكن للهند وأستراليا تعزيز قيادة جماعية، وتحقيق استجابة شاملة للتحديات البيئية والاقتصادية في المنطقة.