في 14 يونيو 2025، فرضت خمس دول غربيّة—أستراليا، نيوزيلندا، كندا، النرويج، والمملكة المتّحدة—عقوبات مشتركة على وزيرين إسرائيليّين بارزين: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. هذان الشخصان اليمينيّان المتطرفان يُعدّان من الشخصيّات المحوريّة في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ومن متبنّي سياسات يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها متطرّفة، مثل توسيع المستوطنات غير القانونيّة والتهجير الجماعيّ للفلسطينيّين.

العقوبات، التي اقتصرت على حظر السفر وتجميد الأصول، كانت تهدف إلى إيصال رسالة بعدم الرضا المتزايد عن تصرفات إسرائيل في غزّة. وحتى يونيو 2025، قُتل أكثر من 50,000 فلسطيني—غالبيتهم من النساء والأطفال—حسب بعض التقديرات. وقد حذّرت محكمة العدل الدوليّة من وجود ما يمكن أن يكون إبادة جماعيّة، فيما تشير منظمّات إنسانيّة إلى أوضاع شبيهة بالمجاعة في شمال غزّة. ورغم ذلك، لا تزال دول غربيّة كبرى، وعلى رأسها الولايات المتّحدة، تزوّد إسرائيل بالسلاح وتوفّر لها الحماية الدبلوماسيّة في الأمم المتّحدة. وتستمر الحملة العسكريّة الإسرائيليّة بلا هوادة.

وهنا يبرز سؤال ملحّ ومزعج: هل تُحدث العقوبات المُستهدِفة لأفرادٍ تأثيرًا حقيقيًا عندما يكون العنف ناتجًا عن قوى مؤسّسيّة وهيكليّة؟ قد يبدو فرض العقوبات على بن غفير وسموتريتش خطوة جريئة، لكن يمكن أن يفسَّر على أنّه مسرحيّة سياسيّة. الوزيران يتمتعان بنفوذ ويمثّلان أصواتًا تحريضيّة. بن غفير، وزير الأمن القوميّ، دعا علنًا إلى اتخاذ إجراءات أكثر قسوة ضد الفلسطينيّين، وحرّض المستوطنين في الضفّة الغربيّة. أمّا سموتريتش، وزير الماليّة وأحد أبرز مهندسي التوسّع الاستيطانيّ، صرّح ذات مرّة: “لا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني”.

لكنّهما ليسا شخصيّتين هامشيّتين؛ بل هما جزء أساسيّ من حكومة تحظى بدعم داخليّ قويّ. ومواقفهما تعكس، أو على الأقل تحظى بتسامح، قطاعات واسعة من التيّار السياسيّ الإسرائيليّ. استهدافهما دون معالجة منظومة الحرب الأوسع—مثل البنيّة العسكريّة، والمساعدات الأجنبيّة، وبيع السلاح، والدعم الدبلوماسيّ—لن يُغيّر من قدرة إسرائيل على مواصلة العمليّات أو من توجّهها السياسيّ.

وهناك أمثلة تاريخيّة على فشل العقوبات الجزئيّة في تحقيق أهدافها. وسوريا مثال واضح. فمنذ اندلاع الاشتباكات عام 2011، فرضت الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ عقوبات واسعة على نظام الأسد. وكان من بينها “قانون قيصر لحماية المدنيّين السوريّين” الذي أُقرّ عام 2020، واستهدف مسؤولين كبارًا وكيانات ضالعة من انتهاكات حقوق الإنسان

نجحت تلك العقوبات في عزل شبكة الأسد الاقتصاديّة، لكنّها في الوقت نفسه فاقمت الأزمة الإنسانيّة. فقد حذّرت تقييمات الأمم المتّحدة ومنظمات إنسانيّة عديدة من أن العقوبات أسهمت في نقص الغذاء والوقود والدواء، ممّا زاد من معاناة المدنيّين العاديّين، دون أن تزعزع قبضة النظام على السلطة. بقي الأسد في موقعه، بدعم روسيّ وإيرانيّ، واستمرّت قواته في العمل دون محاسبة.

الدروس واضحة: إذا لم تكن العقوبات جزءًا من إطار دبلوماسيّ واستراتيجيّ أوسع، فإنّها كثيرًا ما تعاقب الشعوب أكثر من صانعي القرار.

لكنّ إسرائيل، بخلاف سوريا، ليست دولة منبوذة أو معزولة، بل هي مندمجة بعمق في الأنظمة الاقتصاديّة والأمنيّة الغربيّة. الولايات المتّحدة تُقدّم لها مساعدات عسكريّة سنويّة بقيمة 3.8 مليار دولار بموجب اتفاق مدّته عشر سنوات وُقّع عام 2016. وفي أبريل 2024، ورغم القلق العالميّ بشأن الضحايا المدنيّين في غزة، وافقت واشنطن على شحنة جديدة من الذخائر عالية الدقّة لإسرائيل. مثل هذا الدعم المادّي، إلى جانب الفيتوهات المتكرّرة في مجلس الأمن لحمايتها من الإدانة الدوليّة، يخلق شعورًا بالإفلات من العقاب. قد يُعاقب بن غفير وسموتريتش، لكن القصف لا يزال مستمرًا، والحصار على غزة لم يُرفع. وما يثير الانتباه هو الفجوة بين استهداف بعض الوزراء كرموز للتطرّف، وبين غضّ الطرف عن الأنظمة التي تُنتج العنف الجماعيّ

يمكن أن تكون العقوبات فعّالة إذا استهدفت مراكز القوّة فعليًّا. فعلى سبيل المثال، لعبت العقوبات الواسعة وحملات سحب الاستثمارات دورًا حاسمًا في تقويض شرعيّة نظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا، وإضعاف قدرته الاقتصاديّة. لكنّ العقوبات الفعّالة تتطلّب الاتساق والوضوح. فالإجراءات الرمزيّة المحدودة—خصوصًا عندما لا تكون مصحوبة بتقييد مبيعات الأسلحة أو إنهاء الغطاء الدبلوماسيّ—تُصبح فارغة من المضمون الأخلاقيّ، وتبقى حبرًا على ورق.

إذا كانت الأسرة الدوليّة جادّة في منع المزيد من الفظائع في غزة، فعليها أن تسأل نفسها: هل نفرض العقوبات لنُرضي ضمائرنا؟ أم أنّنا مستعدّون لمواجهة البُنى العميقة التي تُغذّي العنف؟ وحتى يحدث ذلك، سيستمرّ الفلسطينيّون العاديّون في المعاناة—ليس لأنّ العالم لم يفعل شيئًا، بل لأنّه لم يفعل ما يكفي.

(نشر الأصل الإنكليزيّ لهذه القطعة يوم 17-06-2025 في Pearls and Irritations، كما سبق وروده في منشور هنا، وكذلك على مدوّنتي على موقعي الإلكترونيّ.)