
تجيد الطبقة السياسية اللبنانية الهروب إلى الأمام وافتعال معارك دونكشوتية، وآخرها مسالة انتخاب المُهجرين (المغتربين) اللبنانيين في الخارج وكأن مشاكل البلد قد حلت وعجلة الاقتصاد عادت الى طبيعتها وانتظم التعليم وحصل اللبنانيون على نظام صحي يقيهم الخوف من المرض ولا نريد ان نقول بأن اموالهم قد ردت إليهم، عدا عن التحديات التي تواجه البلد بسبب عدم احترام العدو لاتفاق وقف إطلاق النار وعرقلة عملية إعادة الاعمار من أجل عودة دورة الحياة الطبيعية للمناطق التي دمرت نتيجة العدوان.
إذن، لماذا فتحت معركة إنتخاب المهجرين (المغتربين) وفي هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا انقلب الفريق الذي يدعو الى تعديل المادة 112 من قانون الانتخاب على ما كان يطالب به والذي اقر في العام 2017؟
الاشتباك السياسي حول الموضوع لم يأتِ من فراغ، بل كما يبدو أنه جزء من مسار يتبع التعليمات والتوصيات والتدخلات الخارجية في كل شاردة وواردة وحتى على حساب المصلحة الوطنية، في وقت يُعمل فيه على إعادة رسم المسارين السياسي والديمغرافي في المنطقة والبلد بما لا يخدم مصالح اللبنانيين مقيمين ومهجرين (مغتربين) بل لخدمة مجموعة سياسية لها توجهاتها واجنداتها السياسية المرتبطة بالمشاريع الخارجية.
بما أننا دخلنا في عهد جديد وحكومة جديدة شعارهما الاصلاح وتطبيق اتفاق الطائف، السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة لماذا لا يعمل على قانون انتخاب عصري خارج القيد الطائفي، وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى أساس النسبية، وانشاء مجلس الشيوخ كما نص اتفاق الطائف قبل البحث في انتخاب المغتربين المعروفة الاهداف؟
ان تصحيح المسار وتثبيت الحق الديمقراطي لكل مواطن بمن فيهم المهجرين ( المغتربين)لا يكون بكيدية تحاول صياغة نظام انتخابي لخدمة مشاريع خارجية بتواطؤ من فئات تجاهر بتقديم مصالحها الفئوية على حساب المصلحة الوطنية ومحاولة الاملاء على العهد الجديد خططها متلطية خلف شعار السيادة.
والسؤال الآخر هل أن هؤلاء المهجرين (المغتربين) مقيمون دائمون في الخارج ام ان إقامتهم مرحلية ؟ فإذا كانت اقامتهم دائمة فلماذا يمنحون حق الاقتراع في بلد قد لا يعرفونه او قد لا يزورونه مرة في العمر؟!
إذن، حتى تصبح الدولة قادرة على تأمين الأمن بمعناه المادي والنفسي، الاقتصادي والاجتماعي وإخراج المحتل من الاراضي اللبنانية، واعادة اعمار ما دمره العدوان على لبنان الذي ما زال يستبيح الاراضي والأجواء اللبنانية دون حسيب او رقيب، أعتقد انه من الافضل وقف هذه الملهاة والمهزلة او على الأقل تجميد مسالة إنتخاب المهجرين (المغتربين) حتى يحصل المقيمون على ضمانات بالعيش الكريم وإعادة اموالهم والتي ما زالت الطبقة السياسية تناور وتتلطى خلف شعارات لا تسيطيع الوفاء بها بسبب إحكام صندوق النقد الدولي قبضته على عنق الحل النقدي والمالي وعرقلة بناء الدولة.
لذلك، اقولها بالفم الملآن واعتقد ان الكثير من المغتربين يشاركني هذا التوجه، وهو ان لم يكن إلغاء انتخاب المهجرين (المغتربين) كلياً فعلى الاقل تجميد المشاركة حتى ينجلي غبار التسويات او التغييرات في المنطقة والتي لا يكمن للبنان النأى بنفسه عنها وحتى لا نكون ضحية التسويات التي يعمل على فرضها بحجة السلام الموهوم.
بالختام وكما يقال: اذا كنت مستفيداً من الباطل لا يمكنك قول الحق وهذا هو حالنا مع الذين يتربعون على عروش مذهبية طائفية وعائلية.
ملاحظة: استعملت تعبير المهجرين عوضاً عن المغتربين لان هذه هي الصفة الحقيقية للمغتربين الذين يتاجرون بقضيتهم اليوم خصوصاً من كان السبب في غربتهم منذ انتهاء الانتداب الفرنسي ( الاستقلال) بسبب عدم إقامة دولة المواطنة