تشغل أستراليا موقعًا فريدًا في المشهد العالمي، إذ تربط بين الشرق والغرب جغرافيًا وثقافيًا. ومع ذلك، تُقصّر في استخدام إمكاناتها كصوت مستقلّ يسعى لبناء السلام في الشؤون الدوليّة.

 

لا أدّعي امتلاك خبرة سياسيّة. إنّما أعتمد على خبرتي الحياتيّة، وحبّي لبلدي المُتَبَنّى، وشعور عميق بالمسؤوليّة المدنيّة. هاجرنا إلى أستراليا عام 1988 باختيارنا، وعلى مدى العقود، أدّت زوجتي وأنا دورانا في المساهمة العمليّة والمجتمعيّة على أكثر من صعيد. ونفتخر الآن أنّنا متقاعدَيْن نعتمد على مواردنا الخاصّة، دون حاجة لمعاش الدولة. وبنتانا، اللتين ترعرعتا في ظلّ النظام التعليميّ الأستراليّ، أصبحتا محترفتين تسهمان في المجتمع بشكل فعّال. لقد منحتنا أستراليا مستقبلًا—وكنّا لها أوفياء.

 

من أعزّ ذكرياتي التصويت في انتخابات ديمقراطيّة حرّة هنا عام 1993—وهي أوّل مرة أحظى فيها بهذا الحقّ. كنت حينها في الأربعينيّات من عمري. تلك اللحظة لخّصت كلّ ما كنت أؤمن بأنّ الغرب يجسّده: الديمقراطيّة، والكرامة، والعدالة. لكنّني مع مرور السنوات ومتابعة تطورات الأحداث العالمية، أصبحت أشعر بخيبة أمل. ليس من الديمقراطيّة، بل من ازدواجيّة المعايير التي تمارسها الديمقراطيّات الغربيّة—بما فيها أستراليا.

 

خذوا على سبيل المثال غزو العراق، أو الدمار الطويل الذي لحق بسوريا. تحدّثت الدول الغربيّة عن “تحرير الشعوب”، لكنّ تدخّلاتها كثيرًا ما أدّت إلى معاناة هائلة. ومؤخّرًا، تجلّى الموقف الأخلاقيّ لدى العديد من الدول الغربيّة في رفضها لغزو روسيا لأوكرانيا، لكنّ ذلك يتناقض تمامًا مع ردود الفعل الخافتة—أو حتى التواطؤ الصريح—عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيليّ المستمر للأراضي الفلسطينيّة، أو ضمّها لهضبة الجولان السوريّة.

 

ويُسلّط التمييز في معاملة اللاجئين الضوء أكثر على هذه التناقضات. فقد استُقبل اللاجئون الأوكرانيون بأذرع مفتوحة—وهو أمر في محله—لكن الهاربين من العنف في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، واجهوا عوائق وشكوك، أو حتى الاحتجاز إلى أجل غير مسمى.

 

وغالبًا ما تبدو أستراليا متردّدة في التعبير عن موقف خارجيّ مستقل. فسواء أكانت تحت حكم حكومة ليبراليّة أو عماليّة، نجدها كثيرًا ما تُحاذي المواقف الأمريكيّة، حتّى عندما تتناقض تلك المواقف مع الإجماع الدوليّ أو مع القيم التي تزعم أستراليا الدفاع عنها.

 

خذوا مثلًا امتناع أستراليا عن التصويت في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة عام 2017 ضد قرار دونالد ترامب الأحاديّ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. هذا القرار، الذي اتُّخذ في ظلّ حكومة عماليّة، صدمني بشدّة. لقد بعث برسالة لا تعبّر عن دبلوماسيّة، بل عن خضوع للولايات المتّحدة، والرضا عن المصالح الصهيونيّة المتغلغلة في المؤسّسات الماليّة والسياسيّة العالميّة.

 

وبالمثل، فإن امتناع أستراليا مؤخرًا عن التصويت على قرار أمميّ يدين الردّ العسكريّ الإسرائيليّ على هجمات السابع من أكتوبر، بدا وكأنّه تخلٍّ آخر عن الوضوح الأخلاقيّ. القول بأن “الامتناع” نوع من الحياد الدبلوماسيّ لا يصمد حين تكون حقوق الإنسان والقانون الدوليّ على المحكّ. الصمت في مثل هذه اللحظات تواطؤ.

 

لقد عبّر رئيس الوزراء أنطوني ألبانيزي في السابق عن دعم مبدئيّ للقضيّة الفلسطينيّة وحلّ الدولتين. لكن في الحكم، لم تُترجَم أقواله إلى أفعال. تكرار الدعم لدولة فلسطينيّة مع رفض اتخاذ خطوات عمليّة للاعتراف بها، لا يزيد إلا من ترسيخ الانطباع بأنّ الحذر السياسيّ يتغلّب على الالتزام الأخلاقيّ.

 

بوسع أستراليا أن تفعل أكثر من ذلك، ويجب أن تفعل. فالعالم يواجه أزمات مترابطة—من تغيّر المناخ، إلى انعدام أمن الطاقة، إلى الاضطراب الاقتصاديّ، والصراعات الجيوسياسيّة. وهذه التحدّيات تتطلب حلولًا متعدّدة الأطراف، ووسطاء يتمتّعون بالمصداقيّة.

 

وأنا أرى أستراليا في موقع مثاليّ للقيام بهذا الدور. ارتباطها الثقافيّ بالغرب، وقربها الجغرافيّ من آسيا يمنحانها فرصة لا تتوفّر لكثير من الدول. ولكن لكي تكون جسرًا، يجب أن تبني الثقة أولًا مع جيرانها. وهذا يتطلب سياسة خارجيّة تستند إلى الاحترام والسيادة والاستقلال—لا إلى التبعيّة لسياسات القوى الكبرى.

 

أنا، السوريّ المولد الأستراليّ الجنسيّة، أحمل في وجداني أنّ فلسطين كانت يومًا جزءًا من بلاد الشام. وأعتبر معاناة الشعب الفلسطينيّ جزءًا من نسيجي التاريخيّ والعاطفيّ. وسيكون لأستراليا دور عظيم، بالنسبة لي وللكثيرين غيري، إن اختارت أن تلعب دورًا أكثر فاعليّة في حلّ هذا الظلم التاريخيّ المستمر.

 

على أستراليا أن تقرّر: هل تريد أن تكون تابعًا أم قوّة من أجل السلام؟ هل تختار الدبلوماسيّة الخجولة أم القيادة الشجاعة؟

العالم يراقب. وكذلك أولئك الذين آمنوا يومًا بأن هذا البلد يستطيع أن يكون قدوة.

 

(سبق نشر الأصل الإنكليزي لهذه القطعة في عدد 12-06-2025 من Pearls and Irritations)