رغم الهزائم المتتالية التي يعيشها العالم العربي منذ سنة 1948، فإن قاموس أدبياته السياسية يخلو من كلمة هزيمة، ومنذ 75 سنة ونحن نعيش انتضارات احتفائية وهمية من ضياع فلسطين الى احتضار غزة الدائم وسكانها الذين يعيشون الموت كل يوم.

نحن لا ننهزم: سنة 1967 طارت الضفة الغربية وسيناء وانتصرنا. سنة 1973 طار الجولان وانتصرنا، 2006 وصلت اسرائيل الى بيروت وانتصرنا، سنة 2023 دخلنا حرب الإسناد وطار نصف الجنوب وبعض بيروت عدا سقوط آلاف الشهداء وانتصرنا.

وأمس الأول قرأنا عنواناً تصدّر معظم الصحف:

“بزشكيان يهنئ الإيرانيين بالنصر العظيم ونتنياهو يؤكد تحقيق انتصار تاريخي”

فقد هنأ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في رسالة مكتوبة وجّهها إلى الأمّة الإيرانية ونشرتها وكالة الأنباء الرسمية إرنا، الإيرانيين “بالنصر العظيم”، بينما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل حققت انتصاراً تاريخياً على إيران.”

يخبرني الزميل هاني الترك الذي كان يعيش في مصر سنة 1967، ان المذيع أحمد سعيد قال بعد هزيمة الأيام الستة في 5 حزيران:”ايها الفلسطينيون، عودوا الى منازلكم ، لقد انتصرنا.”

وفي حرب الإثني عشر يوماً الأخيرة بين إيران وإسرائيل، ما فهمنا شيئاً: قناة الميادين مثلاً تعرض الدمار في حيفا وتل ابيب أشدود، وقناة العربية تعرض ما حققه الطيران الاسرائيلي في طهران وأصفهان؟!.

حتى أصبحت حرب الإعلام أشد وطأة وتأثيراً من حرب المسيّرات والصواريخ.

ورغم الضربة الأميركية لمراكز تخصيب اليورانيوم التي أعلن ترامب القضاء عليها، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في مقابلة أجرتها معه “فوكس نيوز:

“لا نعرف مكان وجود ما يقرب من 900 رطل من اليورانيوم المخصب المحتمل الذي تمتلكه إيران. والرئيس الأميركي يقول:” برنامج إيران النووي بَح..” فمن تصدقون؟!.

وسائل إعلام إيرانية تقول أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بـ”طريقة استجدائية”

والإعلام الأميركي والغربي يقول أن إيران اضطرت صاغرة للموافقة على وقف اطلاق النار.

ولأن حرب الإعلام تشدّ أزر الأنظمة التي تحاول دائماً استمالتها وتغتاظ من الإعلام المعارض، كتب ترامب في منشور على منصته «تروث سوشل» للتواصل الاجتماعي أنّ «شبكة سي إن إن للأخبار الكاذبة، بالتعاون مع صحيفة نيويورك تايمز الفاشلة، ضافرتا جهودهما لتشويه سمعة إحدى أنجح الضربات العسكرية في التاريخ. المواقع النووية في إيران دُمّرت بالكامل!».

..حتى ترامب الذي يملك أكبر أمبراطورية إعلامية لا يستطيع تسويق انتصاره بسهولة.

ولّى زمن الإعتراف بالهزاتم: الأميركيون في فيتنام والروس في أفغانستان والفرنسيون في كمبوديا وتحوّل الإعتراف الى تكابر ومكابرة..

الأنظمة تنتصر والشعوب تنحدر؟!.