انتشرت دمية “لابوبو” بشكل واسع في جميع أنحاء العالم، تخطت الأعمار والحدود، وجذبت اهتمام الإعلام والمشاهير، وجامعي المقتنيات. أصبحت حديث وسائل التواصل الاجتماعي بعد الجنون الدائر حول الرغبة في امتلاكها من الكبار قبل الصغار، حتى أصبحت هوساً غير طبيعي وغير منطقي، لدرجة اتخاذ قرار بإزالة هذه المنتجات واقفال متاجرها في بريطانيا بسبب الطوابير الطويلة نهاراً وليلاً، واحداث الشغب ما يثير مشاكل أمنية. بحيث ان بعضهم نام امام المحلات لشرائها.

 

لابوبو ليست دمية بالشكل التقليدي، بل تمتاز بمظهر غريب وقبيح لديها عيون كبيرة مع نظرة شريرة، آذان طويلة مدببة، ابتسامة خبيثة مليئة بتسعة اسنان حادة، وقامة قصيرة. تحولت من مجرد عفريت  قطني الى هوس اجتماعي، ربما بريئة لكنها مشاكسة وتصلح كفزاعة للعصافير. إنما أصبحت ترنداً عالمياً والناس تتهافت على شرائها حتى لو لم تكن مقتنعة في شكلها.

أما سعر ها الحقيقي  ب12دولار ليقفز  سعرها بطريقه خيالية حتى يصل الى 2000دولار. أخيراً  تم بيع تمثال لابوبو بحجم الانسان وعلى شكل عفريت في مزاد في بكين مقابل ١٥٠ الف دولار ومنهم من قام بالتأمين على دميته بسبب السرقات.

 

يدعون انها ظاهرة ثقافية و عالمية! كفنٍ، أو تعبير عن ذوق، او كجزء من ثقافة فنية. أين نجد الثقافة بانشغال البالغين بجمع الدمى كأنهم أطفال، ما يعبر عن سلوك طفولي ومضيعة للوقت والمال. انها سخافة وليست ثقافة!

 

فَهْمُ هذه الثقافة،في يومنا هذا، وفي عالم التواصل الاجتماعي، يدخل في إطار فهم تحولات الذوق العام، والرموز المعاصرة، والانتماء لجيل معين يتأثر ب Social Media فيشتري لابوبو حتى لو لم يقتنع بما يعرض عليه. إن الصيحات لا تنشأ من فراغ، بل تعبّر عن قلق وخلل ثقافي، يسهل التعلق بها في عالم يعج بعدم اليقين والاستهلاك المفرط، وعالم الماركات، لتوفر دمية بشكل وحش، هروباً من الضغوط والواقع وعزاءاً عاطفياً لطفولة مفقودة في زمن مضطرب ثقافياً.

 

يدعون انها موضة! في أي زمن نعيش عندما تصبح الموضة مجرد دمية قبيحة لا فائدة منها؟؟ تصدح عادةً الموضة بجمالها واناقتها فتبهر المستهلك لمتابعتها واقتناء أجمل ما فيها. اما في عصرنا الهابط هذا، لم يعد يوجد معايير للموضة. بمجرد انتشار لابوبو معلقة على حقائب المشاهير وغزوها صفحات التواصل الاجتماعي، تأثر بها المجتمع بشكل جنوني أعمت بصيرتهم. فإما ان تتبع الترند والا اعتبرت بعيداً عن الموضة. ليصبح الشراء مجرد تقليد وهوس وترند بدون وعي أو فهم.

لذا باتوا يتسابقون بنشر صورهم على صفحاتهم. أغرب ما شاهدت فيديوهات لسيدات خمسينيات تندهش بشكل الدمية عند فتح العلبة.فانشغال البالغين بجمع دمى هو سلوك تافه وساذج تدل على طفولة ناقصة.

 

تعود قصة دمية لابوبو الى عام ٢٠١٥ حين ابتكرها الفنان الهونغ كونغي “كاسينغ لونغ  ضمن سلسلة قصة الوحوش المستوحاة من الأساطير الإسكندنافية التي تحوي كائنات خرافية صغيرة. ليتعاون في عام 2019 مع شركة الالعاب الصينية الكبرى”بوب مارت” لكنها لم تنل نصيبها من الشهرة حتى عام 2024 بعد أن نشرت “ليسا” من فرقة البوب الكورية”بلاكبينك” صورًا لها وهي تحمل “لابوبو”  LaBubu، ما أثار فضول المتابعين وأشعل موجة اهتمام كبيرة على جميع منصات التواصل الاجتماعي، خاصة تيك توك، حتى أصبحت ظاهرة عالمية، خاصة في عامي 2024 و2025

 

على ارض الواقع ظاهرة لابوبو  ليست الا ظاهرة تجارية ناجحة. شُهرتها لم تكن عشوائية، بل نتيجة مزيج من التسويق الذكي، والتصميم الفريد ببيع تلك الألعاب في صناديق غامضة مغلقة، لا تكشف للمشتري أيّ تصميم سيحصل عليه حتى لحظة فتحها، وهو ما يسهم في رفع سقف التوقعات ومنسوب التشويق. علاوة على ذلك تأثير Social media والمشاهير والاستغلال التجاري. ما أدى الى خلق حالة من الهوس عند المشتري. اما المستفيدة الوحيدة من لابوبو هي شركة  Pop Mart التي جنت المليارات إلى ما يُقدَّر بـ 18.7 مليار دولار أمريكي حتى منتصف عام 2025. كما أدت هذه النجاحات إلى زيادة ثروة مؤسس الشركة، وانغ نينغ، ليصبح من بين أغنى عشرة أشخاص في الصين.

 

للأسف، تبقى لابوبو دمية صغيرة، لكن يبدو أنها استطاعت أن تلعب بعقول الكبار قبل الصغار وتُعامل كضيفة شرف في بيوت ما عاد فيها مكان لكتاب واحد.

تباً لزمن أصبح القبح سلعة!