
في يوم حيوي بجنوب غرب سيدني، تفوح رائحة الشواء بالفحم في أجواء المنطقة، بينما تُطهى أسياخ اللحم أمام أحد المطاعم الشرق أوسطية. على مقربة، يجتمع السكان المحليون في الظل، يتبادلون التحديات في ألعاب الدومينو والشطرنج.
سروان المباركي، أحد العاملين في القطاع الصحي بمدينة ليفربول، يستمتع بالتجول في هذه الشوارع التي تمثل له بيئة مألوفة تُجسد روح التعددية الثقافية في منطقته. ويقول الشاب البالغ من العمر 29 عامًا، والذي جاء إلى أستراليا مع عائلته كلاجئ من العراق عندما كان في الرابعة من عمره:
“كانت رحلة صعبة لوالديّ لاتخاذ قرار بشأن مستقبلي ومستقبلهم، في محاولة لإيجاد مكان آمن لي تتوفر فيه الفرص”.
لكن المباركي يشعر بالقلق لأن كثيرين في منطقته لم يحظوا بنفس الفرص. إذ تنقل بين ثلاث مدارس مختلفة في طفولته، منها واحدة حكومية واثنتان تابعتان لمؤسسات دينية. وهناك لاحظ ما وصفه بـ”جيوب التهميش” في بعض مناطق غرب سيدني، حيث عانى من نقص الموارد، وبيئة مدرسية محدودة، ورسائل محبطة تشي بأن الحياة ستكون أكثر صعوبة لمن ينشأ هناك.
ويضيف: “الوضع كان واضحًا للغاية، تحتاج لبذل جهد مضاعف للوصول إلى نفس الأماكن مقارنةً بغيرك”.
ويحذر المباركي من أن النمو السكاني المتسارع في الضواحي الخارجية يفاقم من التحديات، خاصة في ما يتعلق بالضغط المتزايد على خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية.
من جانبها، وصفت الخبيرة السكانية بجامعة أستراليا الوطنية، ليز ألين، هذا الواقع بـ”يانصيب الرموز البريدية”، مشيرةً إلى أن سكان الضواحي الجديدة هم الأكثر تضررًا بسبب غياب البنية التحتية الكافية.
وأضافت: “لا تتوفر خدمات طبية كافية أو مستشفيات أو مدارس في هذه المناطق، ما يعني أن الأسر لا تحظى بالدعم الكافي”.
وترى ألين أن هذا التهميش مرشح للتفاقم مع انتقال مزيد من العائلات إلى الضواحي الخارجية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وخلال الحملة الانتخابية الفيدرالية الأخيرة، كانت منطقة غرب سيدني محور التركيز، إذ استهدف زعيم المعارضة بيتر داتن الناخبين في مناطق الطبقة العاملة التقليدية، لكن النتائج جاءت مخيبة لآمال الحزب الليبرالي، الذي لم ينجح في انتزاع أي مقعد جديد، بل خسر مقعد “بانكس” بشكل غير متوقع.
ورغم أن حزب العمال يسيطر الآن على 11 من أصل 14 مقعدًا في غرب سيدني، إلا أنه فشل في إزاحة المستقلة داي لي من مقعد “فاولر”.
وأكد المباركي أن سكان المنطقة يشعرون بأن الأحزاب الكبرى تتجاهلهم.
ورغم الانتصار الساحق لحزب العمال على مستوى البلاد، يشير بعض المحللين السياسيين إلى أن نتائج الحزب في غرب سيدني تمثل “هروبًا محظوظًا”، لا أكثر.
بول سميث، مدير البيانات العامة في مؤسسة YouGov، أشار إلى أن الناخبين في غرب سيدني تخلوا عن الائتلاف قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، بعد إعلان نية المعارضة إجبار الموظفين على العودة إلى العمل من المكاتب.
وقال: “تُظهر البيانات أن الناس رفضوا داتن والائتلاف بسبب سياساتهم التي رآها كثيرون معادية للطبقة العاملة”.
وأضاف: “يجب أن ينظر حزب العمال إلى هذا الفوز باعتباره فرصة ثانية لكسب ثقة الطبقة العاملة، وليس تفويضًا شاملاً لسياساته”.
وفي محاولة لمعالجة هذه التحديات، وعدت الحكومة الفيدرالية بضخ مليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية، وتحسين خدمات الصحة والتعليم في الضواحي.
وأعلن وزير التعليم، جيسون كلير، تخصيص 16.5 مليار دولار إضافية للمدارس الحكومية بموجب اتفاقيات مع الولايات والأقاليم، مضيفًا: “لطالما كانت المدارس العامة محرومة من التمويل، لكن هذا يتغير الآن بفضل هذه الاتفاقيات”.