خسر الحزب الليبرالي الأسترالي موقعه بقوة في الانتخابات الأخيرة، وسط تحليلات متعددة تفسر هذا التراجع بعوامل مختلفة. غير أن أبرز ما أظهرته النتائج هو أن الحزب يعاني من أزمة مركبة، تتعلق بالاقتصاد من جهة، والانخراط في حروب ثقافية من جهة أخرى.

في السابق، كان يُنظر إلى الليبراليين على أنهم الحزب الأكثر جدارة بإدارة الاقتصاد، لكن هذا التفوق بدأ يتآكل. رغم الأزمة المتزايدة في تكاليف المعيشة، أظهرت استطلاعات ما بعد الانتخابات أن حزب العمال تفوق على الائتلاف في هذا المجال، وإن بفارق ضئيل. ويُعد هذا التحول مثيرًا للدهشة في ظل سياق اقتصادي صعب، إذ تقليديًا كانت أحزاب اليمين الوسط تحظى بتفوق واضح في إدارة الاقتصاد.

من ناحية أخرى، يبدو أن الانشغال المفرط بالقضايا الثقافية، كالنقاشات حول “الترحيب بالبلاد” (Welcome to Country) والجدل الذي أعقب فشل استفتاء الصوت (Voice referendum)، أضر بصورة الليبراليين في المدن. الأصوات الناقدة داخل الحزب بدأت تشير إلى أن هذه المعارك تشتت الانتباه عن قضايا الناس الحقيقية، وتؤدي إلى نفور الناخبين المعتدلين.

في المقابل، بدأ حزب العمال يُعيد النظر بهدوء في كيفية التعامل مع قضايا السكان الأصليين، مستفيدًا من الدعم الشعبي الواسع الذي حصل عليه في الانتخابات. هناك بوادر على تحول داخلي في الحزب، تقوده شخصيات من السكان الأصليين، لدفع الحكومة نحو خطوات جديدة في ما يتعلق بالحقيقة والمصالحة، مثل عمليات السرد التاريخي الوطني.

وزيرة شؤون السكان الأصليين، مالارنديري مكارثي، أكدت في تصريحات لها أن الحكومة لا تتخلى عن مبادئ بيان أولورو من القلب، مشيرة إلى أن هناك فرصة للاستماع والمضي قدمًا بشكل مختلف. كما تحدثت الباحثة والناشطة البارزة مارسيا لانغتون عن أهمية البدء الفعلي في عمليات “قول الحقيقة”، معتبرة أن الحكومة الحالية تملك تفويضًا فريدًا لإحداث تغيير جذري في حياة السكان الأصليين.

ما حدث في هذه الانتخابات، بحسب لانغتون، هو رفض جماهيري للحروب الثقافية، ودعوة صريحة للتركيز على العدالة والإنصاف، لا سيما للفئات الأكثر تهميشًا. الرسائل السياسية التي خرجت من صناديق الاقتراع واضحة: حان الوقت للتركيز على قضايا حقيقية، وليس صراعات رمزية.