«نحن خائفون سيد ميلانشون. نحن المسلمون لم نعد نشعر بالأمان هنا في فرنسا. نخرج من بيوتنا والخوف يملأ قلوبنا، لم نعد نشعر بالأمان إطلاقاً، لقد تم تجاوز خط أحمر». بهذه الكلمات خاطبت سيدة فرنسية من أصول عربية زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي جان ليك ميلانشون، خلال التجمع الشعبي الذي أقيم يوم الأحد الماضي عند ساحة الجمهورية الشهيرة في العاصمة باريس ضد الإسلاموفوبيا، وذلك رداً على جريمة قتل الشاب أبوبكر سيسيه، قبل ذلك بيومين، طعناً بسكين داخل مسجد بمدينة لا غراند كومب جنوب فرنسا.الجريمة، وقعت صباح يوم الجمعة، حين دخل القاتل المسجد وصادف الضحية، البالغ من العمر 24 عاماً، والذي يقيم منذ عدة سنوات في مدينة لا غراند كومب، حيث كان معروفًا ومحبوبًا لدى السكان، بحسب شهادات جمعتها وسائل الإعلام المحلية. يوم الجمعة، ذهب كعادته إلى مسجد خديجة لتنظيفه استعدادًا لوصول المصلين للصلاة. عند الساعة الثامنة والنصف صباحًا، التقى بالمشتبه به، أوليفييه هـ، وهو فرنسي في العشرينات من عمره، ولد في مدينة ليون لعائلة من أصل بوسني ـ وقد أكدت مصادر شرطية أنه ليس مسلمًا. هناك، وتحت أعين كاميرات المراقبة، طعن القاتل ضحيته حوالي أربعين مرة في الصدر والبطن، ثم أخرج هاتفه المحمول وصور الضحية وهو يحتضر، قائلاً عبارات نابية، بما فيها سبّ الذات الإلهية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية. ووفقا للنائب العام، قام الجاني بتصوير نفسه عبر هاتفه المحمول أمام الضحية التي كانت تحتضر، مرددًا: «لقد فعلتها، (…) إلهك الحقير».
بعد ثلاثة أيام من مقتل أبوبكر سيسيه، سلّم القاتل نفسه للشرطة في مدينة بستويا الإيطالية مساء الأحد. وأشار المدعي العام في المنطقة التي وقعت فيها الجريمة إلى «البرودة الشديدة» و«السيطرة الكبيرة على النفس» التي أظهرها المهاجم، واصفًا إياه بأنه «شديد الخطورة»، مشيرًا إلى أن تصريحاته في الفيديو «كانت متقطعة جدًا»، وأنه «أبدى نية في تكرار الفعل». وأكد المدعي العام أنه يجب النظر في جميع الفرضيات لتفسير الجريمة، إلا أن فرضية «العمل المعادي للمسلمين هي الأقرب».
علاوة على الغضب والقلق العميق الذي أحدثته هذه الجريمة لدى الجالية المسلمة في فرنسا، فإنها أشعلت أيضاً الجدل على المستوى السياسي حول الحريات الدينية في البلاد ومصطلح «الإسلاموفوبيا»، الذي انقسم حوله حتى أعضاء الحكومة.

توجيه أصابع الاتهام إلى سياسيين ووسائل الإعلام

خرجت مسيرات احتجاجية بعد مقتل الشاب المسلم منددة بظاهرة الإسلاموفوبيا، وداعيةً إلى «اتخاذ إجراءات قوية ضد الكراهية وضد الإسلاموفوبيا». وبينما غاب ممثلو اليمين عن هذه التجمعات، شارك المتظاهرون إلى جانب قادة من اليسار، في اتّهام أعضاء من الحكومة ووسائل الإعلام اليمينية بتأجيج الكراهية وتغذية الإسلاموفوبيا. في هذا الصدد، اعتبر ممثلو لجنة تنسيق المؤسسات الإسلامية في منطقة أوفيرن-رون-ألب بقيادة إمام المسجد الكبير في مدينة ليون، اعتبروا أن «العمل الهمجي الذي حصل داخل مسجد هو نتيجة مباشرة لخطاب سياسي وإعلامي أصبح أكثر تحررًا، حيث يتم منذ شهور تصوير المسلمين كتهديد، وسط لامبالاة عامة أصبحت لا تطاق».
من جانبه، دعا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية «CFCM» إلى «تفعيل خطة وطنية عاجلة لتعزيز حماية أماكن العبادة الإسلامية». وأشار نائب رئيسه، عبد الله زكري، وهو أيضًا إمام مسجد، في حديث مع صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية، إلى «قلق المصلين». أما حركة الصداقة بين الشعوب ومناهضة العنصرية «MRAP»، فقد ذكّرت بـ«عدة هجمات حديثة ضد أماكن عبادة المسلمين»، مثل حريق في مسجد نهاية شباط/فبراير الماضي، أو إطلاق النار على مقر جمعية فرنسية-مغاربية بداية آذار/مارس الماضي. واعتبرت الحركة أن هذه الأفعال تندرج «في مناخ من الكراهية يغذيه صمت المسؤولين السياسيين، عندما لا يكونون هم أنفسهم مصدرًا لوصم غير مقبول لشريحة من السكان». في حين، اتّهمت جمعية SOS Racisme وزير الداخلية برينو روتايو بـ«مشروع سياسي يتمثل في تقديم المسلمين كمجموعة تمثل تهديدًا لفرنسا».
برزت خلال المسيرات ضد الإسلاموفوبيا، التي خرجت تنديداً بمقتل الشاب أبوبكر سيسيه، برزت وحدة اليسار الفرنسي في مواجهة صمت اليمين. فقد انتقدت مارين توندولييه، الأمينة العامة لحزب الخضر، الإسلاموفوبيا المنتشرة، واتهمت وزير الداخلية اليميني برينو روتايو عبر حسابها على منصة «إكس» بـ«ممارسة المضايقة ضد المسلمين». بدوره، انتقد أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي صمت وزيرة مكافحة التمييز أورور بيرجي بشأن اغتيال أبوبكر سيسيه، قائلا: «لقد رأيناها في مواقف أكثر سرعة وردود فعلها لم تكن دائماً في محلها». وقال الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، فابيان روسيل: «إنها ديانة بأكملها تم استهدافها».