
زار رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكيّ السّابق وليد جنبلاط، العاصمةَ السّوريّة دمشق، حيث عقد اجتماعًا وُصف بالودّي والصريح مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في حضور وزير الخارجيّة السّوريّ أسعد الشيباني. وتناول اللقاء أحدث التطوّرات الإقليمية وسبل تعزيز الاستقرار في كلٍّ من سوريا ولبنان، وفق ما جاء في بيانٍ الحزب التقدميّ الإشتراكيّ.
لقاء مثمّر
وأعرب جنبلاط عن ارتياحه لـ”الانفتاح العربيّ والدوليّ المتزايد على الدولة السّوريّة الجديدة”، معتبرًا أنّ ذلك يُسهم في ترسيخ وحدة البلاد واستقرارها، ويرتدّ إيجابًا على لبنان. بدوره، أشاد الرئيس الشرع بالدور الوطنيّ والتاريخيّ لأبناء طائفة الموحدين الدروز في مفاصل الحياة السّوريّة، مؤكّدًا أهميّتهم في بناء “سوريا الجديدة”.
وفيما يخصّ الأحداث المؤسفة الّتي وقعت خلال اليومين الماضيين، عبّر الجانبان عن أسفهما لسقوط ضحايا، وشدّدا على مسؤوليّة الدولة السّوريّة في حفظ أمن المواطنين وسلامتهم. كما ثمّن جنبلاط مساعي دمشق للحوار مع مختلف مكوِّنات الشعب السّوريّ، مؤكّدًا على أهمية دور أبناء طائفة الموحدين الدروز في مؤسّسات الدولة وأجهزتها.
وفي ختام اللقاء، شكر جنبلاط الرئيس الشرع على إلقاء القبض على المجرم إبراهيم الحويجي، المتهم بالتورّط في اغتيال المُعلِّم الشهيد كمال جنبلاط وبارتكاب جرائم أخرى. واستبقى الرئيس الشرع ضيفه اللّبنانيّ على مأدبة عشاء رسميّة.
وتكتسب زيارة جنبلاط بما تحمله من رسائل سياسيّة خرج بها لقاءُ دمشق أهميّةً مضاعَفة؛ فحرصُ الرئيس الشرع على إبرازِ الدورِ التاريخيِّ للدروز، ومبادرة جنبلاط للقاء القيادة السّوريّة في ظلّ الأحداث الداميّة، يضعانِ أساسًا سياسيًّا يمكن البناء عليه لنزعِ فتيلِ الاحتقان.
سلام يُبدي تضامنه
بالإضافة إلى زيارة جنبلاط، برزّت مواقف لبنانيّة مشابهة، فبدوره شدّد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام على أنّ “أولوية الحكومة اللّبنانيّة هي إرساء الأمن والاستقرار في سوريا وضمان سلامة شعبها وتحقيق تطلعاته”، مؤكّدًا تضامن لبنان مع دمشق في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وحرصه على وحدة الأراضي السّوريّة.
أبي المنى: مشروع فتنة
من جهته، شدّد شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز سامي أبي المنى، على أنّ الأحداث الداميّة الّتي شهدتها سوريا في الأيام الأخيرة ليست سوى “مشروع فتنة”، داعيًا الدول العربيّة والإسلاميّة والقوى المؤثّرة عالميًّا إلى تحمّل مسؤولياتها في ضبط الأوضاع، ولجم الخطاب التحريضيّ، ومنع تنفيذ المخططات المشبوهة. وأكّد رفض الطائفة لأيّ محاولة لتصوير الدروز دينًا مستقلًا أو قومية منفصلة، مشيرًا إلى أنّهم “عشيرة معروفية إسلاميّة عربيّة أصيلة” تعتزّ بانتمائها إلى الإسلام وترفض الإساءة إلى أيّ مكوّن إسلاميّ، ولا سيّما أهل السنّة.
جاء موقف أبي المنى خلال لقاء عُقد في دار الطائفة في فردان – بيروت، مع سفراء المملكة العربية السعودية وليد البخاري، تركيا مراد لوتيم، مصر علاء موسى، قطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، الأردن وليد الحديد، فلسطين أشرف دبور، تونس بوراوي الإمام، الجزائر كمال بوشامة، المغرب محمد كرين، وسلطنة عُمان أحمد بن محمد السعيدي، إضافة إلى نواب ووزراء حاليين وسابقين وأعضاء في المجلس المذهبيّ. وقد استُهِلّ اللقاء بتلاوة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين سقطوا في السويداء وجرمانا وأشرفية صحنايا على يدّ مجموعات خارجة عن القانون.
أبي المنى استشهد بالآيتين الكريمتين “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” و”والفتنة أشدّ من القتل”، مبيّنًا أنّ التنازع يفضي إلى الضعف، وأنّ الموحِّدين الدروز كانوا عبر تاريخهم أوفياء لدينهم ومدافعين عن الأرض والعِرض والفرض. وأوضح أنّ الطائفة وضعت ثقتها بالحكومة السّوريّة منذ البداية، ولا تزال تأمل منها وضع حدّ للتجاوزات، داعيًا أبناءها في سوريا إلى الاحتكام إلى العقل والحكمة وعدم الانجرار إلى الفتنة، ومدّ يد التعاون مع شركائهم في الوطن ومع الدولة الساعية إلى استعادة مؤسّساتها. كما حثّ على إفساح المجال أمام الإدارة الجديدة لإثبات جدارتها وبناء سوريا على أسس ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة.
ورأى أنّ التسجيل المسيء للنبيّ مرفوض بشكل قاطع، إلّا أنّ الردود الغرائزية ليست الحلّ، محذّرًا من الانجرار إلى صدامات داخلية قد تعصف بجهود بناء الدولة. ودعا إلى تحرّك عربي وإسلامي ودولي سريع وجدّي لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، مؤكّدًا أنّ الحكمة والتعقّل هما أمضى سلاح في مواجهة التحدّيات، وأنّ التفاهمات التي أُبرمت أخيرًا في جرمانا والسويداء تبشّر بالخير متى حُسِن تنفيذها.
عقب الاجتماع، صرّح السفير المصري علاء موسى باسم السفراء أنّهم تلقّوا رسالة واضحة تدعو إلى التعقّل والهدوء والحوار الدائم مع السلطات السورية باعتباره السبيل الوحيد لوأد الفتنة. وأشار إلى توافق الحاضرين على ثوابت أبرزها وحدة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وبذل مزيد من الجهود لضمان عدم تكرار الحوادث مستقبلًا.
في ختام اللقاء، وجّه شيخ العقل تحيّة إلى الدول الحاضرة، مؤكّدًا متانة العلاقات الأخوية، ومجددًا تعهده ببذل كل الجهود الممكنة لحماية السلم الأهلي في لبنان وسوريا معًا.