وسط الانشغال المحلي في الساحل السوري بتداعيات الحملة الأمنية في حي الدعتور على أطراف اللاذقية يومي الثلاثاء والأربعاء، والتي شهدت وقوع مجزرة راح ضحيتها 7 إلى 10 أشخاص بينهم أم وطفلها الرضيع، انفجرت اشتباكات عنيفة في ريفي جبلة واللاذقية سقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى من قوات الأمن والمسلّحين الذين قيل إنّهم من أنصار الرئيس السابق بشار الأسد.
وبدأت التطوّرات الخطيرة عندما باشرت قوات الأمن العام حملة جديدة في ريف جبلة بذريعة تعرّض أحد عناصرها للقتل في المنطقة وجرح آخرين.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدّث أمس عن تعزيزات كبيرة وصلت إلى اللاذقية، متوقّعاً أن تشهد مناطق عدّة حملات أمنية على خلفية التوتر الذي أحدثته حملة حي الدعتور. وهو ما قد يشير إلى وجود نية مسبقة للقيام بحملات أمنية في أرياف المدينة قبل الإعلان عن مقتل عنصر الأمن.
وشهدت الحملة للمرة الأولى استخدام الطيران المروحي في قصف قرية الدالية وسط معلومات عن سقوط إصابات بين المدنيين، بالإضافة إلى القصف المدفعي. وأكّدت مصادر لـ”النهار” أنّ طائرة مروحية قامت بقصف أكثر من هدف في قريتي بيت عانا والدالية، مشدّدة على أنّ “الطائرة تتبع للجيش السوري الذي اضطرّ لمؤازرة قوات الأمن على الأرض”. وكانت انتشرت معلومات أنّ طائرات روسية هي من تولّت عملية القصف بالتنسيق مع وزارة الدفاع، وهو ما لا صحّة له.
واستجابةً لهذه التطوّرات، أصدر المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر الذي تأسس قبل حوالي شهر، بياناً، دعا فيه المواطنين للاعتصام السلمي في مواقع محدّدة احتجاجاً على التطورات الأخيرة.
وقال البيان: “اليوم وبعد كلّ ما جرى في الدعتور وطرطوس وما يجري الآن في جبلة، وبعد تأكّدنا من تعرّض منازل المدنيين لقصف الطيران الحربي ونزوح الأهالي من القرية فإننا نقولها بوضوح: يجب أن تتوقّف هذه الحملة فوراً”.
وأضاف: “إلى أهلنا في سوريا عامةً، والساحل السوري خاصةً، ندعوكم إلى اعتصام سلمي في الساحات، لنصرة أهلكم في قرى جبلة، ولإعلاء صوت الحقّ في وجه الظلم. تظاهروا بقوّة، لكن بحكمة، لا ترفعوا إلّا الشعارات الوطنية، ولا تمسّوا الممتلكات، فنحن نريد حماية أهلنا. صوتكم أقوى من الرصاص، وإرادتكم أعظم من أيّ سلاح”.
وبدأت الناس بالنزول إلى الشوارع قبل موعد الإفطار بنحو ساعة، واحتشدوا في المناطق المتفق عليها: دوار السعدي في طرطوس، دوار أوتوستراد الثورة في اللاذقية، ساحة البلدية في جبلة، والمروج عند تجمع المدارس في بانياس.
وفي طرطوس، انتقل المتظاهرون إلى أمام مبنى المحافظة حيث تصاعدت الهتافات حتى وصلت إلى المطالبة برحيل أحمد الشرع، لتكون المرة الثانية التي تخرج فيها تظاهرة تطالب بإسقاط رئيس سوريا الانتقالي في اليوم نفسه بعد تظاهرة السويداء صباحاً.
ولجأت قوات الأمن إلى إطلاق الرصاص الكثيف في معظم المناطق بهدف تفريق التظاهرات التي كانت أعدادها تتزايد بشكل كبير، وهو ما أدّى إلى حالة من الفوضى وسط المحتجين.
وأكدت مصادر محلية من مدينة بانياس أنّ “إطلاق الرصاص كان قوياً جداً وتسبب بسقوط جرحى”، وقال مرافق أحد الجرحى إلى المستشفى: “عندما دخلنا كان هناك حوالى عشرين جريحاً من قوات الأمن جراء الاشتباكات في ريف جبلة”.
في الوقت ذاته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 16 عنصراً من قوات الأمن السوري في هجمات وكمائن نفّذها مسلحون موالون للأسد في ريفي جبلة واللاذقية.
ووصف المرصد الهجوم بأنّه “الأعنف على الإطلاق على القوى الأمنية والعسكرية منذ سقوط النظام السابق، وسط معلومات عن وجود قتلى آخرين ومفقودين، بالتوازي مع استمرار الاشتباكات في ريف جبلة”.
كما قتل ما لا يقل عن 3 أفراد من المجموعات المسلحة بالاشتباكات مع القوى الأمنية.
ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كانت الهجمات سبقت الحملة الأمنية أم أنها حدثت بالتزامن معها.
وفي وقت سابق، انتشر مقطع فيديو لشخص ملثّم ادّعى فيه أنّه سيسيطر على جبلة، وقيل إنّ هذا الشخص هو مقداد فتيحة، قائد ما يسمى لواء درع الساحل، وكان من رجال اللواء سهيل حسن في الفرقة 25 سابقاً. إلّا أنّه لم يتمّ التأكّد من صحة ذلك، خصوصاً أنّ المتحدث لم يُظهر وجهه. كما أنّ العديد من المصادر تتحدّث عن عدم وجود فتيحة أصلاً في الأراضي السورية، بل كان من بين الهاربين إلى العراق.
وبالتزامن أعلن العميد السوري غياث دلا، وهو أحد أبرز ضباط الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، في بيان، تأسيس المجلس العسكري لتحرير سوريا.
وقال البيان إنّ المجلس يهدف إلى “تحرير سوريا من جميع القوى المحتلة والإرهابية، وإسقاط النظام القائم وتفكيك أجهزته القمعية الطائفية، وجماية أرواح وممتلكات السوريين، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديموقراطية، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وإقامة دولة سورية موحّدة”.