عباس علي مراد

إن وأد فكرة الوطن وبناء الدولة ترتكزعلى إعادة الشعوب إلى غرائزها وهوياتها الأولية من قبلية، مناطقية، جهوية، طائفية ومذهبية الخ ، وهذا ما نراها في الخطاب الانتخابي للقبائل والشعوب اللبنانية التي تتبارز في هذا السباق.
لقد كانت الحرب الأهلية التي بدات عام 1975 ولم تتوقف حيث أخذت اشكالاً مختلفة بعد اتفاق الطائف، والتي لم تنتج أي خير لهذا الشعب الا التدمير الذاتي الممنهج للمجتمع، الذي وصل إلى الدرك الاسفل مالياً، اقتصادياً، ثقافيا وإجتماعياً…
إن الحروب الإهلية على مرّ التاريخ وفي كل الدول لا تنتج منتصراً، وهناك دول غادرت تاريخ حروبها الأهلية المظلم من أجل بناء مستقبل أفضل لشعوبها، ونجحت في بناء دول وديمقراطيات، على سبيل المثال اسبانيا وجنوب أفريقيا حتى راعية الفوضى الهدامة والتي تسميها الفوضى البناءة أي الولايات المتحدة الأميركية نفسها تعتبر أحد الأمثلة التي وقعت فيها حرب اهلية وتجاوزتها لبناء واحدة من اقوى الدول.
لا شكّ أن القوى الدولية أو دول المركز المهيمنة تستثمر في الفتن في دول الأطراف وبعدة طرق، سواء بالعنف والعدوان أو بالحصار والتضييق وبالتعاون مع شرائح من أبناء تلك البلاد التي تجد أن مصلحتها الشخصية الضيقة مقدمة على المصلحة الوطنية العليا، علماً أن ذلك يصب في خدمة مصلحة الدول المهيمنة التي تموّل وتغذّي هذه الصراعات من أجل تثبيت وتعزيز مصالحها على حساب شعوب الدول المستهدفة.
بالعودة إلى لبنان، فمهما كانت نتيجة الإنتخابات اللبنانية التي يلعب بها المال الإنتخابي دورا بارزاً وأساسياً إلى جانب حركة بعض السفراء الذين يدخلون في تفاصيل الحملة الإنتخابية واللوائح لفريق من اللبنانيين يرفعون شعار السيادة الوطنية. وهذا ما يذكرنا بزمن الوصاية السورية، حتى أن الامر قد وصل إلى الإغتيال المعنوي للرئيس سعد الحريري أحد حلفاء الأمس او رأس حربتها من خلال أبلسته وتياره السياسي عبر حملة إعلامية تشنها صحف سعودية أو صحفيين لبنانيين مقربين من المملكة وذلك بسبب عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات أوعبر الإيعاز إلى مناصريه بدعم اللوائح التي تزكيها تلك السفارات.

عملية التجييش المذهبي أو الطائفي لا تعكس حالة صحية مطلقاً لما يسمى الديمقراطية اللبنانية، والتي بالأصل تعتبر ديمقراطية عرجاء، تحمل عدة تسميات منها التوافقية، هذه الديمقراطية التي ينتهي دورها قبل ان يبدأ فرز الأصوات أو بعده، حيث الأعراف الطائفية والمذهبية او «الميثاقية» التي تتجاوز الدستور والمؤسسات لها الغلبة والقرار النهائي.

وقد برزت أخيراً مقولة الأقوى في طائفته لتزيد طين الديمقراطية بلة، وبدأ الصراع القبليّ يأخذ بعداً آخر ويكرّس فكرة التقسيم الممنهج تحت تسميات وشعارات منها المضمر ومنها المعلن ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد ببناء الدولة، لا بل انها تساهم في ضرب وتعطيل فكرة الوطن والمواطنة.
ان لبنان الواقع على خط الزلازل الجيوسية يخضع اليوم للعبة التجاذبات الإقليمية والدولية، والأخطر في الموضوع أن الفريق الذي أوصل البلد إلى الإنهيارخلال الثلاثين عاماً الماضية يحاول ركوب موجة الإصلاح والثورة وجر البلد إلى تحالفات وتبعيات تجعل لبنان لقمة سائغة في فم المتربصين بالثروات اللبنانية المائية والنفطية وغيرها بعدما افلست البلد ولم توفر حتى الودائع الشخصية للمواطنين.
إن الطائفية والمذهبية السياسية بنسختها المارونية او السنية او الشيعية او الدرزية فشلت فشلاً ذريعا، ولم يعد هناك من مجال للمكابرة والترقيع، لذلك فان المصارحة هي الطريق الأقصر إلى المصالحة بين القبائل والشعوب اللبنانية التي تتوارث الزعامة من الأب إلى الإبن ثم الحفيد لتتداور على حكم الشعوب التي تتفاعل مع عصبياتها حتى على حساب عيشها ومستقبلها ومستقبل البلد.
لذلك، إننا في لبنان بحاجة ماسة إلى عقد إجتماعي جديد يعيد بعث الروح في فكرة الوطن التي اصيبت بمرض النفاق الوطني العضال، وتثبيت القيم والهوية الوطنية حتى تكون سفينة النجاة وعدم الوقوع في المجهول.