كندة سمارة – ملبورن

حمّل بعض المفكرين وعلى رأسهم ادوارد سعيد المسؤولية للغرب في سوء فهمه للعرب… في حين أستند زعيم المستشرقين برنارد لويس على النظرية الأكثر عنصرية، معللاً فيها سوء الفهم الحاصل بين العرب والغرب، وذلك إلى افتقار العرب في جيناتهم الوراثية إلى حبّ الاستطلاع.

إنّ دحض هذه النظرية لم يتم بالشكل الوافي، ولم يتم التعرف تاريخياً وموضوعياً على أسباب سوء الفهم الحاصل بين العرب والغرب. وإن كان قد ظهرت بعض أصوات المفكرين، ومنهم عزيز العظمة، وصادق العظم، الذين حاولوا لفت انتباه العرب إلى تقاعسهم في التعرّف على الآخر الغربي.

وبنظرة عامة على تاريخ ثقافتنا العربية الإسلامية نجد تقصيراً من العلماء في التعرّف على ذلك الآخر، حيث أنّ قلّة محدودة من علمائنا في العصور الذهبية الإسلامية قامت برحلات للتعرف على الطرف الآخر البعيد… فظهرت بعض الكتابات المحدودة في وصف الآخر، كشمس الدين المقدسي، والادريسي، ورحلات ابن فضلان، ورحلات ابن بطوطة… في حين اكتفى البقية الباقية من العلماء على روايات التجار عن الآخر أثناء رحلاتهم.

حتى في القرن الخامس عشر حين بدأ الأوروبيون بمرحلة السفر بقصد استكشاف العالم، لم يتشارك معهم الحكام العرب أو المسلمون نفس الرغبة، وإن ظهرت بعض الحالات الفريدة لكنها بقيت محدودة.

قد يكون عدم الاكتراث بالتعرّف على الآخر الغربي له مسوغاته حين كانت الحضارة الإسلامية تنعم بمرحلتها الذهبية، هذا بالإضافة إلى أنّ الاتصال والترحال والسفر، كان في تلك الحقبة بالأمر الشاق. لكن مما لا شك فيه اليوم أن هذا التقاعس ليس له مبرراته، وخاصة إذا ما أردنا اللحاق بركب التطور الغربي، الذي حاولنا ومازلنا نحاول اللحاق به لما يزيد عن قرن. فظهور بعض الأصوات المتشددة مؤخراً والتي اعتمدت في خطابها الانشائي على إلغاء الاخر لم يأت من فراغ، بل اعتمد على ثقافة متعثرة، وتاريخ عربي متجاهل ومقصّر في التعرف على الآخر، وهو ما علينا استدراكه إذا ما أردنا أن يكون لنا مكان في العالم الحديث.