قلت حديثاً في مقال لي في العمود «استراليات» انني اعتقد بالديانة المسيحية بما لا يدع مجالاً للشك بصحتها واسير على تعاليمها في حياتي استناداً الى حبي العميق الذي لا يتزعزع بمثقال ذره بالسيد المسيح وبالتجسد الالهي.. غير انني في السنوات الاخيرة اخذت اقرأ عن نظرية عودة الروح Reincarnation من ناحية علمية لعدة علماء مشهود لهم بالمصداقية العلمية مثل بروفسور برايان ويس وبروفسور مودي وغيرهما.. التي تناقض اهم تعاليم المسيحية مثل القيامة العامة والحياة مرة واحدة على الارض والدينونة وغيرها من الحقائق في المسيحية.. واصبح هذا التعارض يؤرقني فكرياً.. واخذت ابحث واقرأ في الكتب عن ارضية عامة تجمع وتوفق بين المسيحية ونظرية عودة الروح.
قرأ لي اعترافي في مقالتي صديق «التلغراف» الكاتب عياد يسى… وارسل لي كتاباً للبابا الراحل البطريرك شنوده عن هذا الموضوع.. قرأته ولكن لم اعثر على الهداية التي اصبو اليها.. وخصوصاً لعدم اطلاع البابا شنوده على نظرية عودة الروح للباحثين الأكاديميين في العالم الغربي في السنوات الاخيرة.. قرأت مقالتي الصديقة والباحثة دانا بدر بطارسة.. وارسلت لي رأيها في الموضوع الشائك..اعرضه هنا للقراء.. مع ملاحظة انني اتابع بحثي واطلاعي في القضية التي تعتبر حتى الآن لغزاً من الغاز الوجود.
الاستاذ هاني الترك OAM:
ان موضوع الروح الإنسانية ليس بجديد في هذا العصر فلطالما اهتم البشر بمعرفة اسرارها من حيث مكوّنها المادي ومصدرها وبدايتها ونهايتها، وعلى مرّ العصور توالت الثقافات والعلوم واجتهادات الفلاسفة والعلماء والأديان لشرح هذا اللغز المحيّر (الروح) ويبقى الفيصل والحكم في هذا الموضوع هو العامل الديني اذ يعتبر اهم المصادر المعلوماتية للباحث فيه.
وبالحديث عن الفلسفات والنظريات الدينية عن الروح برزت نظرية تناسخ الأرواح او تقمّص او عودة الروح وينادي اتباع هذه النظرية بأن الروح بعد خروجها من الجسد تعود لتتجسّد مرّة اخرى بجسد آخر وبشخصية مختلفة. وتتباين تفاصيل هذه النظرية من حضارة الى اخرى من حيث الهدف من تكرار التجسّد والوقت والشكل فعلى سبيل المثال آمن الإغريق ومنهم سقراط وفيثاغورس بهذه النظرية اذ كانوا يعتقدون ان الروح لا يمكن ان تتخلص من الجسد وتكرار حياتها على الارض الا بعد عيش حياة نقيّة مما يمكنها بالنهاية الخلود في السموات.
وايضاً يؤمن الهندوس والسيخ ومعظم الحضارات الشرق آسيوية والمايكا والإنكا والدروز وما محصلته مليار ونصف من سكان العالم بهذه الفلسفة الدينية مع بعض الاختلافات في تفاصيلها وفي فترة رجوع هذه الروح لتسكن جسداً آخر، وقد يكون ايضاً اي شيء مادي غير الجسد. امّا من وجهة نظر الديانة المسيحية فإنها تنفي هذه الفلسفة وتعدّها مناقضة للمبدأ الخلاصي للروح الانسانية. وتعتبر ان الروح لديها فرصة واحدة في حايتها الارضية للإيمان بشخص السيد المسيح وموته الكفاري على الصليب عن جميع خطايا البشرية. ومهما حاول الإنسان لبلوغ الكمال الذي يؤهله للوصول لملكوت الله والأبدية فإنه لن يفلح بذلك ولو عاش ومات مئة مرة بسبب ضعف الروح البشرية ودخول الخطيئة للطبيعة البشرية، لذلك احتاج البشر الى المصالحة بينهم وبين الله وهو شخص السيد المسيح. ويخالف مبدأ التقمّص مفهوم القيامة اذ في ذلك اليوم الرهيب تعود كل روح الى جسدها لتقف امام الخالق فكيف يكون ذلك اذا كانت هذه الروح لبست اكثر من جسد.
ويقول الإنجيل في عبرانين 9 :27 (وضع للناس ان يموتوا مرة» وبعد ذلك الدينونة).
وقد قام اصحاب هذه الفكرة بالصاق التهم المتعددة على بعض النصوص الإنجيلية والإدعاء بأنها تنادي فكرة التقمّص دون اي دليل او فهم للسياق العام وقراءة النص السابق والتالي يعطي مفهوماً متكاملاً للفكرة العقائدية لها.
امّا العلم وهو ما يهم اكثر القارئين والباحثين في عصرنا الحديث فإنه لا يزال الى هذه الساعة لا يثبت ولا ينفي نظرية التقمّص، اذ ان البرهنة العلمية تحتاج لأدلة ملموسة ومنظورة والروح بحد ذاتها غير منظورة. والحقائق العلمية لا يمكن ان تعتبر نظرية ثابتة استناداً على حالات محدودة.
وتحتاج الى ان تطبّق على جميع الحالات ومن هذا المنطلق العلمي مثال الموت هو حقيقة لأنه ينطبق على جميع البشر.
لا يستطاع الجزم بمبدأ التقمّص اذ انها حالات معدودة ولا يعاني من اعراضها مثل الفوبيا ونوبات القلق المرضية الا البعض. ولعلّ من اشهر الأطباء والباحثين الدكتور براين وييس Dr Brian Weiss الذي له عدّة كتب من تجاربه الواقعية في عقر عيادته للعلاج النفسي. ويعتبر الدكتور وييس من افضل الأطباء والأساتذة في علم النفس في الولايات المتحدة الاميركية.
وقام بكتابة Many lives Many Masters اذ قام بسرد قصة معالجة مريضة لديه تعاني من القلق anxiety والخوف المرضي phobia بطريقة التنويم الايحائي اي التنويم المغناطيسي Hypnosis حيث تعتمد هذه الطريقة على وضع الذهن بحالة هادئة ومسترخية تماماً وبحالة تركيز شديد بحيث يضع كل الاشخاص والاشياء من حوله خارج نقطة التركيز. بهذه الحالة الجسدية والذهنية يصبح بمقدور المعالج النفسي ترسيخ شيء ما بعقل الشخص اللاواعي. اذ يجعل الشخص المريض ان يجد حلول مشاكله عن طريق العقل الباطن حيث انه يعمل بضعفي قوّة العقل الظاهر الواعي. وبالرغم من هذه المحاولة لإيجاد الأسباب لم تستجب المريضة للعلاج مما استدعى دكتور وييس لتكرار العملية مرّات عدّة ويتبين بعد ذلك ان شخصيات اخرى وحيوات اخرى كانت قد عاشتها ادّت لتفاقم حالتها المرضية. وبالنهاية استجابت المريضة للعلاج بعدما ذكرت كل ما حدث معها في حيواتها السابقة مع ذكر التفاصيل المملّة لكل شخصية عاشتها وسبب موتها.
وهنا وقف العلم مكتوف اليدين امام هذه الظاهرة التي يتسم اصحابها بالصدق الشديد ودقّة المعلومات المقدّمة مما يُصعّب عملية ضحض الحالة.
ولكن تبقى الشكوك قائمة في ماهيّة الأصوات المتحدثة من خلال المريض هل هو الشخص نفسه ام اصبح هذا الشخص وسيلة لأرواح اخرى (ارواح شيطانية حسب رأيي الشخصي) تتحدث من خلاله وهو في حالة استرخاء شديد وانفتاح ذهني كامل وتركيز عالي؟
ليس هناك ما يثبت ان روح المريض هي المتحدثة ام انها ارواح اخرى اغتنمت الفرصة الذهبية لغياب العقل الواعي خصوصاً لتغيّر نبرات صوت المريض بين الفينة والاخرى.
ومن الجديدر بالذكر هنا انّ الأحداث كلّها في الماضي ومن الماضي وهذه الارواح الشيطانية تعلم الماضي تماماً اذا لن تكذب في هذه المناسبة ولن تقدم معلومة خاطئة وكل ذلك في سبيل تضليل الروح البشرية وتقديم حلول غير منطقية لعلاج معضلة الخطيئة عن طريق عيش اكثر من حياة للوصول الى الكمال الذي يوصل بدوره الروح الى الله تعالى.
يبقى في النهاية هذا الموضوع قابل للنقاش والنقض والمساءلة والدراسة والبحث والإيمان الشخصي لكل انسان طالما ان الروح غير منظورة والعقول المحدودة لا تستطيع استيعاب غير المحدود.
المخلصة
رانا بدر بطارسه