بقلم مارسيل منصور
أطلت علينا الشاعرة الأسترالية اللبنابية سوزان عون بتوقيع ديوانها الثاني (ليلى حتى الرمق الأخير)، فجاءت أشعارها مستقاة من تجربتها الشخصية المحمّلة بآلام الغربة والوفاء إلى الحب الخالص للإنسان وللوطن، فعبرت عن أحاسيسها الجياشة بصدق ومهارة ، مرتدية زي المرأة الثائرة التي تشتعل لهيباً جديداً ومتجدداً من أجل إعطاء نفسها دفعة إلى الأمام وثقة مطلقة بالنصرعلى كل ما يعرقل طريقها. هذا النصر هو بمثابة وعي مستمد من حقائق الواقع الذي تعيش فيه، والذي أصبح وعياً ثورياً قررت به أن تخوض معركة استرداد نفسها، فاندفعت تكتب الشعر لتلتقط أنفاسها وترد إلى كيانها الروح من جديد.
ولابد وأن أذكر هنا قبل الخوض في كتابة هذة السطور أنني قد تعرفت على هذة المرأة الفاضلة سوزان عون منذ فترة وجيزة وأنني قد التقيت بها مرتين فقط ، الأولى في إحدى مناسبات الجالية الثقافية، والثانية حين شرفتني بحضورها للمعرض الضوئي الذي أقمتُه خلال هذا العام في متحف ماري ماكلوب نورث سيدني لتستمع إلي حديثي عن الفن، فساهَمت بالاشتراك في المناقشة بطريقة إيجابية، والذي أبهرني أكثر بعد انتهائنا من حديث الندوة أنها طلبَت بنفسها أخذ صورة تذكارية معي بجانب الصليب. وإن ذلك يدل على مدى تطورها وانفتاحها على الثقافات والأديان الأخرى واتساع أفقها في سبيل المحبة والإخاء بعيداً عن التعصب . فأنا لا أعرف عن حياتها إلاّ القشور ولكن عندما قرأتُ ديوانها الشعري، رأيتُها إنسانة منفتحة العقل والقلب وأن إيمانها بالمفاهيم عن اقتناع حقيقي وليس عن خوف أوتقليد. ولذلك فهي في رأيي إنسانة إيجابية لأنها تملك القدرة على التفكير والتعبير بحرية إبداعية.
( ليلى حتى الرمق الأخير) ديوان من إصدار مؤسسة المثقف العربي سيدني ودار المعارف بيروت، مراجعة الشاعر يحيى السماوي، تقديم د. رشا غانم ، ولوحة الغلاف للفنان التشكيلي الجزائري كبيش عبد الحليم. عقد حفل التوقيع في قاعة السيدة زينب في بانكسيا في الثامن من أغسطس آب 2015 ، بدعم من مؤسسة المثقف، رابطة البياتي للشعر والفنون، جمعية حواس، رابطة إبداع العالم العربي والمهجر، واتحاد النساء العرب.
كان حفلاُ ثقافياً محبباً، تميزبحضور جمهور جيد من أصحاب الشعر والأدب والصحافة ورؤساء الجمعيات بما فيهم الشاعر فؤاد نعمان الخوري والكاتب سركيس كرم وطوني طوق رئيس التيار الوطني الحر في سيدني، وماجد الغرباوي رئيس مؤسسة المؤلف، وأحمد الكيياني من صحيفة بانوراما. وقد شارك في الحفل نخبة من الشعراء: قدم الحفل السيدة جمانا نصور، وألقى الكلمات كل من الشعراء المخضرمين أنطوان قزي رئيس تحرير صحيفة التلغراف، وشربل بعيني صاحب مؤسسة الغربة و أحمد الياسري مدير صحيفة العراقية ، والذي بدوره ألقى كلمة الشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي لتعذر حضوره ، والشاعر محمد ديراني الذي ألقى قصيدة من تأليفه باللهجة العامية. كما وقدم الأب يوسف جزراوي تحية شكر وتقدير للشاعرة عون على توقيع ديوانها الجديد وأعلن عن الأمسية الشعرية التكريمية القادمة من رابطة البياتي في 19 أيلول سبتمبر. وكان مسك الختام إلقاء الشاعرة سوزان لمختارات من قصائدها الرائعة، منها الجميلة العذبة ومنها الحزينة اليائسة، ومنها المتمردة على الأوضاع المرفوضة التي مرت بها في مسار حياتها. فكما نعرف أن السيدة عون امرأة تقية مسلمة متحجبة، ولكنها جوهرياً استطاعت أن تخرج من نطاق قوقعتها وأن تنطلق من خلال إبداعها إلى العالم الأكبر والأوسع، أو كما وصفها الشاعر شربل بعيني في كلمته حين قال: «إن نصوص سوزان قد تجاوزت الحدود الجغرافية نحو «التمدد» «.
يتكون هذا الديوان من إحدى وأربعين قصيدة، تعتمد القصيدة النثرية، وجميعها تتوهج بالحب المفعم والأحاسيس الفياضة. ومما يلفت النظر أن القصيدة التي تحمل عنوان الديوان (أنا ليلى حتى الرمق الأخير) والتي ترجمت خصيصاً إلى الانجليزية في آخر الكتاب أن اسم «ليلى» هنا يرمز إلى الشاعرة نفسها بصفة خاصة وإلى جنس النساء مثلها بصفة عامة، وأن الشاعرة قد اقتبست الاسم من (قيس وليلى)، فهي تعبر عن مشاعرها النفسية العميقة، الثائرة على الأوضاع الغير محتملة والتي تتوق إلى الحرية والتحرر من أغلال القيود البالية، فتعلن بجبروتها حرباُ على الرجل الذي تسبب في أوجاعها وتقول له: «سأهدمُ كلَّ الجدرانِ التي هزمتْ هجماتِ ليليَ الأسودِ، فأنا والنّجومُ أحبّةٌ ومن خلفكَ، هطلَتْ من اسمي أيقوناتٌ، طرنَ كليلٍ حالمٍ سِكّير، وبعدها تسألُني من أنا؟ عد لمهدكَ الترابي وانهلْ منه حتى تشبع.» (ص101). وكذلك في قصيدة (قرابين العشق) تبلغ أوج قمتها في استعمال صيغة المستقبل في النفي فتقول «لن أحزن!!»، ثم تضرب سوزان عرض الحائط بكل ما هو مرفوض قائلة في إصرار وتصميم مؤكد: «يقتبسُ مني كلّ المجادلين في أزليّة الحب ،فيخفقون»، ثم تكرر وتقرر قائلة: « وأنتصرُ أنا وأنتصرُ أنا وينهزم العدم، فخذْ من حرفي حتى ترقى.»(ص18) .
ولكن برغم هذا القدر الفائق من العزم والحزم الذي تتميز به الشاعرة إلا أنها قد أظهرت بعضاُ من اليأس والإحباط في حلكة الوحدة وقهرالعزلة، وهذا شيئ طبيعي، كثيراً ما يحدث للإنسان من تقلبات الحياة ومؤثراتها فتراها في قصيدة (انتظرتك ولم تأت) تصور مشاعرها بصدق فتقول: «اسدلت استار الغياب …أراقب انهمار الدموع من شمعة وحيدة…الغيم حولي صامت …وانتظرتك ولم تأت …جفناي مطبقان على سر، ودمع، وذكريات، وليل وحيد.»(ص7-105).
هذا وأن الشاعرة سوزان تتمتع بروحانية التأمل العميق في قولها: « لا يعلمونَ بأنْ الجسدَ ارتفعَ والروحُ لا زالتْ حولنا تحوم في قصيدة (غريبة بين الوجوه) (ص 75).
كما ولا يغيب عن الذهن كم أن سوزان غارقة في عشق الوطن مسقط رأسها وجذورها، فالشاعرة المغتربة عن وطنها لبنان الحبيب، مازالت تشعر بالحنين إليه، وتعبرعن آلامها نحو المحن التي يمر بها، ولكنها أيضا تتسلح بالتفاؤل و إشراقة الأمل، فتقول في قصيدة ( ترنيمتي إليك) (ص33) «أحلمُ بأجراسِ مدينتي تقرعُ في ليالي اللقاء، ترفعُ الغربةَ عن الصدرِ المتعطشِ لحضنِ الوطن، تُصدِرُ أصواتاً كأنّها أغرودات المشتاقات لحبيبٍ تأخر، هذا نحنُ يا وطني، لا زلنا تلكَ السفن التي تحنُّ لمرافئك يوماً….. تُسامرُني النغماتُ لأكونَ لحناً جميلاً في ترنيمتي إليكَ.»
أما في آخر قصيدة من الديوان بعنوان (في بحر عينيك) فلا يسعني إلا وأن أعبرعن مدى إعجابي بها من حيث رشاقة الكلمات وحسن التعبير واختيار الألفاظ في أسلوب محبب تختمه بجمل رائعة :»حتى اعتلي خدّ السماء صبابةً حمراء من نورالشفق».
وفي كل الأحوال ، جاءت قصائد الشاعرة سوزان عون تعبيراً حياً وصادقاً عن واقع المرأة المعاصرة من بنات جنسها خاصة ، وبالتالي عن المرأة الإنسانة ابنة حواء عامة ، وما تعانية من آلام وما تصبو إليه من آمال .
هنيئاّ للصديقة الشاعرة سوزان عون على نجاح توقيع ديوانها الجديد ( ليلى حتى الرمق الأخير)، مع تحياتي الخالصة و تمنياتي الحارة لها بمزيد من النجاح والتوفيق والازدهار.