د. نجمة خليل حبيب
أنا الأوبرا هاوس، أرتع مزهوة في أحضان خليج سدني. أمتلئ دلالاً عندما يداعبني القمر بغمزاته الوالهة، وأستسلم مغناجة ً عندما يدثرني بدره بعباءته الفضية. أنا مثل جبل المطربة صباح (الله يرحمها) لا تهزني ريح مهما عتت وأهتز حد النشوة عندما يلامس خاصرتي جسدا عاشقين شبقين فاض بهما العشق فلاذا بي يطفئآن لظى عشقهما بعيداً عن أعين الفضوليين.
– أنا الأوبرا هاوس أخطف قلوب الناس من شرق وغرب، من شمال وجنوب: الصعلوك منهم والأمير، المعدم والمترف، الوفيّ والخائن، المؤمن والكافر، النزيه والسافل، كلهم يتزاحمون عند أقدامي، يفتخرون ويفاخرون إذا زاروني يوما، ويحتفظون بصور تضمني وإياهم ذكرى جميلة للقادم من وحشة أيامهم.
هذا الصباح، وشوشت في أذني موجة متجرئة.
– استفيقي من أحلامك الوردية. أشباح العتمة تتراقص عند جذورك
قهقهت مستخفة: وما همني الأشباح إن كان كل الأنس عشاقي!
– انا أوبرا هاوس. أنا مفخرة أستراليا الأولى: أتصدر بطاقات الأعياد ورزنامات السنين وأيقونات الهدايا. أنا اوبرا هاوس أتربع اميرة في كل بيت: أنا عند هنري كرت بوستال، وعند نيكولاس لوحة فنية معلقة في صفحة داره. وعند وندي ساعة فوق طاولة سريرها. وانا في حقيبة سفر راج، وجون، وأحمد، ونوشين، وباتريك، وشارلوت؛ تحفة يعتزون بتقديمها هدية لمضيفيهم في نيويورك وباريس ولندن ونيودلهي ودبي والقاهرة وبيروت وفرانكفورت . . .
– استفيقي من زهوك. إحذري وحاذري.
– أنا أوبرا هاوس أُحذَر ولا أَحذَر . أكتم أسراراً وأسرارا: مناجاة العشاق اللاهبة، خيانات الوعود المخاتلة، عرس الأماني وانكسارها.
أنا أوبرا هاوس أُحذَر ولا أَحذَر. شاهدة على حبائل المخادعين، مكائد الخبثاء، فحيح الدسائس. . . فمن يجرؤ على استعدائي؟
– هنالك من يجرؤ قالت، وهي تشيح بوجهها عني وتتلاشى عند أقدامي
{ { {
أنا موناليزا سدني استفقت اليوم وبي شعور لا أستطيع تحديده: غضب، حزن، شقاء، هياج، زعزعة تقض كل كياني.
ساءلت النوارس والحمائم وزبد الموج وشعاعات الشمس والصخور على اختلاف ألوانها وأنواعها، فأطرقت جميعها مرتبكة أمام تساؤلي.
رقص الغراب فوق رأسي
– أصدقني القول يا غراب، ما بال أهلي وعشيرتي واجمين مرتبكين؟ ما سر هذا الحزن الغضب الهياج القضيض الذي يستحوذني؟
– أطرق واجماً
– ما بالك يا بوز النحس (قلت)
– أفضل أن تسمعيها من غيري
– من أين جئت بهذا الأدب وأنت لا تهنأ إلا بأخبار الشؤم
– ليس هذه المرة يا سيدتي الجميلة
– أسرع! .. قل ما عندك ولا تتعفف.
– أخاف على مشاعر سيدتي الجميلة ومولاتي.
– مراوغتك هو أكثر ما يؤذي مشاعري. هات ما عندك.
أطرق وانخفضت حدة صوته وقال:
– إحذري وحاذري يا سيدتي. لقد برز لك أعداء.
– ما هذا الهراء! . . . أنا ما عندي إلا معجبين
– عفوك سيدتي: إنهم يتهمونك بالانحياز للإسلاميين!. . . يقال: إنه لمن الواضح تماما أن شكل الأوبرا هاوس هو شكل ثلاث نساء محجبات!.
– وماذا بعد؟
تمتم وقال بصوت خفيض:
– أصحاب النخوة الوطنية غاضبون. يقودون حملة على الفايس بوك لمحاربة أسلمة البلاد.
– وماذا بعد؟!..
ليلة البارحة، وأمام جموع المحتشدين في قاعة بلدية سوري هلز قال السيد نابكوف، من حزب استراليا البيضاء،:
– نعدكم بمحاربة أسلمة أمتنا العظيمة. وأضاف، ليست أوبرا هاوس هي وحدها المستهدفة بالأسلمة، فقد لاحظت الليلة الماضية هلالاً يزحف صوب النجم الجنوبي Southern Cross . إن الزحف الإسلامي يهدد رموزنا الوطنية الواحد تلو الآخر. هذا أمر لا يجوز أن نتهاون به. ثم أضاف:
– نحن لن نرتاح حتى تعود البلد الى أيدي حماة الأرض الأصيلين، لا أولئك الذين جاؤونا بالقوارب، الذين لا يحترمون طريقتنا في العيش والحياة.
قهقهة هستيرية ارتجت لها الأرض والبحر والسماء والكائنات. تجمدت الأمواج عاجزة عن متابعة رحلتها نحو الرمال. ارتجفت الأسماك وهرعت خائفة إلى مخابئها. الرمال غادرها لونها الذهبي الى الرمادي الكئيب. صخور الشاطئ تخلت عن وقارها ورفعت رؤوسها متسائلة. النوارس تجمدت في وسط السماء لا تقوى على متابعة الطيران ولا تحملها أجنحتها على الهبوط. ذبل ضوء القمر فعم المكان الظلام.
أطرقت رأسي وتمتمت حزينة: ويحي منهم!, لقد لطخوا ثوبك النقي يا أستراليا . . .